سوق الدواء
كل ما تريد معرفته عن سوق الدواء

د. إسلام عنان يكتب.. هل تقاس الصحة بالمال؟ «مدخل لاقتصاديات الصحة»

دائماً ما يوصم القطاع الصحي بانه قطاع استهلاكي وغير منتج وهو ما كان يعاني منه كثيراً وزراء الصحة على مستوى العالم وخصوصاً في السبعينيات والثمانينيات عند المطالبة بزيادة الميزانيات المرصودة للصحة مع السلطة التشريعية كالكونجرس مثلا أو البرلمانات الأوروبية فلا يوجد عائد استثماري ملموس ينفع قياسه إذا زادت الميزانية عن السنة السابقة.

فكان السؤال، كيف يتم قياس الصحة أخر كل عام وتحويلها لشيء ملموس، كان الحل هو اللجوء للاقتصاديين ولصعوبة قياسها كسلعة غير ملموسة تم تطوير علم قائم بذاته لهذا القياس وهو اقتصاديات الصحة لقياس المردود الصحي والذي قد يكون مباشر كتوفير ميزانية مستقبلية او منع مرض معين أو تدهوره أو غير مباشر في تحسين إنتاجية الافراد او تقليل الوفيات وبالتالي تحسن في الاقتصاد.

ففي أولى دراسات اقتصاديات الصحة لتأثير الميزانية على الصحة اقتصادياً والتي نشرتها الحكومة الأمريكية تم حساب ان كل دولار أمريكي تم صرفه زيادة على الميزانية من سنة 1980 الى سنة 2000 كان له مردود استثماري 4 دولار كمردود مباشر وغير مباشر فعلى سبيل المثال هذه الزيادة قللت من عدد أيام المكوث بالمستشفيات 65% وهو توفير عالي للغاية لأي قطاع صحي، زائد تقليل عدد الوفيات للأطفال وتحسن الصحة والإنتاجية. وطبعاً اكدت جائحة كوفيد هذه الفرضية في التأثير المباشر والغير مباشر للأمراض على الاقتصاد؟

ان تطور هذا العلم كان نقلة نوعية في تبرير زيادة ميزانيات الصحة التي أصبحت تصل بفضل هذه الحسابات في بعض البلاد الى 15% او 20% من ميزانية الدولة بعد التأكد من الجدوى الاقتصادية. وكان له أثر كبير في تقييم الأدوية بشكل اقتصادي وعلى حسب القيمة مقابل السعر فلها دور كبير في التسعير العادل للدواء وفي مقارنة الأدوية ببعض فلا يجب ان نوضع ميزانية لدواء جديد الا بعد التأكد ان هذا التسعير سيصاحبه قيمة اكلينيكية مضافة على الدواء المستخدم. وبالطبع حالياً أصبحت الصورة مختلفة مع دخول المشاريع الصحية الاستثمارية للصحة والتي تقوم بها الدول مثل السياحة العلاجية على سبيل المثال، ولكن هذا موضوع آخر ومقال آخر.

وعلى الصعيد المحلي كانت جمهورية مصر العربية رائدة في الشرق الأوسط وأفريقيا في انتهاج وتطبيق اقتصاديات الصحة والتي أصبحت ركيزة أساسية في وزارة الصحة وهيئة الشراء الموحد وكل الهيئات الصحية وساعدت في بلورة دور المبادرات الرئاسية للصحة وإبراز دورها الاقتصادي، فمثلا كان السؤال المهم في مبادرة صحة المرأة والكشف المبكر عن سرطان الثدي هو لماذا ننفق 8 مليارات جنيه مصري لاكتشاف حالات سرطان الثدي وهل يوجد جدوى فعلية من هذه الميزانية؟

ولكن عند تقييم المبادرة اقتصادياً فقد قامت المبادرة ب46 مليون كشف على السيدات بمصر واكتشاف اكثر من 24 الف حالة سرطان ثدي ولكن بفضل الكشف المبكر كان السرطان في مراحلة الأولية القابلة للشفاء بنسبة 60% وهو اعلى من نسبة ما قبل المبادرة ب20% وبالتالي يعني تقليل الوفيات الناتجة من سرطان الثدي بسبب الكشف المبكر.

اقتصاديا ان عدم اجراء المبادرة كان سيكلف مصر بسبب اكتشاف السرطان في مراحل متأخرة في حدود 13 ونص مليار جنيه ما بين تكاليف مباشرة للأدوية الكيماوية الحديثة والعمليات وخلافه وغير مباشرة بسبب الوفاة وقلة الإنتاجية، في حين ان اجراء المبادرة من كواشف وتكاليف الفحص والعلاج والتوفير الاقتصادي من تقليل الوفاة سيتكلف 10 مليار جنيه مصري.

فنجد ان مبادرة صحة المرأة وفرت للدولة في حدود 3 مليار جنيه مع زيادة 40 ألف سنة حياة مجمعة للسيدات ككل، فلكل جنيه مصري تم صرفه كان العائد الاستثماري جنيه وثلاثون قرش وبالتالي هو استثمار مجزي ومربح على الإطار الإنساني والاقتصادي.

وأخيراً، فالقطاع الصحي هو قطاع منتج وينتج اهم منتج في أي دولة وهو الصحة فهي السلعة التي ان صلحت صلح الاقتصاد كله وان ساءت ساء الاقتصاد كله.

 

الدكتور  إسلام عنان

الرئيس التنفيذي لشركة أكسيت للأبحاث

ومحاضر السياسة الصحية والاقتصاد الصحي (كلية الصيدلة – جامعة المستقبل ومصر الدولية)

 

اترك تعليق