سوق الدواء
كل ما تريد معرفته عن سوق الدواء

الدكتور بهاء الدين فتحي يكتب.. مستقبل صناعة الدواء المصرية

صُنفت مصر لعقود كدولة رائدة فى صناعة الدواء، واستطاعت الشركات المصرية توفير دواء آمن وفعّال وبسعر مناسب للمريض المصرى، بل وتمكنت من فتح أسواق تصدير فى منطقتنا العربية والكثير من بلدان أفريقيا وأوروبا الشرقية .    

لكن منذ بداية الثمانينيات وحتى منتصف العقد الثانى من الألفية الثانية شهدت صناعة الدواء تباطؤا فى النمو والتطور عن مثيلاتها فى دول المنطقة مما أثر سلبا على ريادتها لهذه الصناعة وعلى قدرتها التنافسية فى أسواق التصدير العربية والأفريقية لأسباب عديدة سألخص أهمها فى الآتى:

أولا: عدم وجود رؤية إستيراتيجية للدولة مدعومة بإرادة سياسية – خلال الفترة المذكورة سالفا – لتوطين صناعة الخامات الدوائية وباقى العناصر الداخلة فى صناعة الدواء مما أدى لإتجاه شركات الدواء المصرية لإستيراد معظم هذه المدخلات حتى أصبحت الصناعة قائمة برمتها على الإستيراد بدءا من الماكينات وقطع الغيار، مرورا بالمواد الفعالة ومواد الصواغ والكثير من مستلزمات التعبئة والتغليف وإنتهاءا بالبرمجيات «Software» المستخدمة لإدارة الموارد والمنشآت  والبيانات.

حتى كود ممارسات التصنيع الجيد «GMP code» الذى تخضع له الصناعة فى مصر ليس مصري الصياغة, كنا نكتفى بإتباع الأكواد العالمية التى صاغتها البلدان الغربية،تقريبا العنصر البشرى كان هو الوحيد الغير مستورد، وطبعا فى ظل إستيراد معظم مدخلات الصناعة والتغير المطرد فى سعر صرف الدولار وإرتفاع مصاريف الشحن كانت تكاليف الإنتاج مرتفعة وغير تنافسية.

ثانيا: كانت صناعة الدواء فى مصر خلال تلك الفترة شأنها شأن الصناعة فى كل منطقتنا العربية, مكتفية بإنتاج مثائل الأدوية التقليدية «Generics» دون الإتجاه لإبتكار أدوية جديدة أو إكتشاف إستخدامات جديدة لأدوية قديمة، أهملنا تطوير وتعميق الصناعات الدوائية المتخصصة كصناعة البدائل الحيوية «Biosimilars» ومشتقات الدم والبلازما والهرمونات وأدوية الأورام والكثير من اللقاحات.

وقد يعزى ذلك وقتها لضعف الإنفاق الحكومى على البحث العلمى أولعدم وجود إستراتيجية واضحة لربط صناعة الدواء بالبحث العلمى أو لأن معظم شركات الدواء الخاصة فى مصر عبارة عن كيانات صغيرة أو متوسطة لا تنتهج نهج الإندماج لتكوين كيانات أكبر قادرة على التطوير والإبتكار أو لعدم رغبتنا فى بذل مجهود فى البحث والتطوير والإكتفاء بالتقليد، وربما كان كل ذلك معا.

ثالثا: عانت شركات القطاع العام طويلا من سوء الإدارة وتوقف تطويرها وإضمحلال إنتاجها وأرباحها رغم بنيتها الأساسية الضخمة والتى أهلتها قبل عقود لتكون صروح لصناعة الدواء فى المنطقة بأثرها، وبالطبع حد ذلك من قدرة مصر الإنتاجية ومن ثم التصديرية.

رابعا: سوء تخطيط بعض المستثمرين والذى يظهر فى عدة جوانب منها على سبيل المثال لا الحصر عدم الإهتمام بعمل دراسة الجدوى والدراسة التسويقية ودراسة المتغيرات العالمية وإعتبار هذه الدراسات مجرد إجراء روتينى لتمويل المشروع، كذلك إهتمام بعضهم ببناء الكوادر الفنية دون الإدارية.

خامسا: إفتقرت مصر طوال هذه الفترة أيضا لوجود مراكز تعليم وتدريب متخصصة لتخريج الفنيين الذين تحتاجهم الصناعة بمختلف مراحلها، حيث أن التقنيات والممارسات الخاصة بهذه الصناعة دائمة التجدد ولابد من مسايرتها لإستمرار القدرة التنافسية.

والسؤال الذى يفرض نفسه الآن هو، هل سيستمر الحال كما كان عليه خلال تلك الفترة ؟

فى الحقيقة لقد أدركت الدولة المصرية وقيادتها منذ بضعة سنوات أهمية تطوير وتوطين وتعميق الصناعات الدوائية وتبنت إستيراتيجية للنهوض بها تماشيا مع رؤية الدولة المصرية للتنمية المستدامة 2030 والتى سنتحدث عن محاورها فى المقال القادم بإذن الله.

 وللحديث بقية.

الدكتور بهاء الدين فتحي خبير التصنيع الدوائي

اترك تعليق