تصاعدت من جديد أزمة نقص المستلزمات الطبية والمستهلكات المستوردة من الخارج داخل عدد من المستشفيات المركزية والمعاهد القومية، في ظل توقف توريد شركات الأدوية لها وحصر استيرادها على جهة واحدة، حتى وصل العجز إلى “الفالنشات” والقساطر الخاصة بالغسيل الكلوي، بالإضافة إلى بعض أشرطة السكر والمستلزمات الأساسية التي ليس لها بديل، ما يهدد حياة المرضى.
كما وصل العجز إلى مستلزمات العمليات الجراحية وعمليات القلب المفتوح مثل المؤكسدات “الرئة الصناعية” والصمامات بأنواعها المختلفة والصبغة المستخدمة في العمليات، ما تسبب في إلغاء عدد من العمليات الجراحية داخل بعض مراكز القلب والمستشفيات الحكومية.
عجز كبير فى سوق المحاليل والفيتامينات والسرنجات والفلاتر والمستلزمات ونقص حاد، وصل إلى جهاز “الكانيولا” المستخدم في حقن المرضى بالمحاليل الوريدية، ومن ثم يضطر أهالي المرضى لشرائها من الصيدليات الخارجية والسوق السوداء بأسعار باهظة وصلت إلى 100 و200% في بعض المنتجات بصورة تفوق مقدرة الكثير منهم.
المستلزمات الطبية تدخل مصر على مراحل، ويتم تخزينها فى مركز التمويل الطبي بالعباسية، ومن ثم توزع على المستشفيات، لكن عددا كبيرا من أصحاب المصانع صاروا يشكون اليوم من أنهم يعملون في ظل أوضاع سيئة، خاصة بعد تحرير سعر صرف الدولار وثبات أسعار التعاقد مع المستشفيات وحصر الاستيراد على جهة واحدة فقط بعدما كانت قيمة التصدير في هذا القطاع تتجاوز الـ300 مليون دولار سنويًا، توقفت الآن كثير من صفقات الاستيراد والتصدير في القطاع الحيوي، ومواجهة شبح الإفلاس، وتعطلت عدد من المصانع والشركات عن العمل.
استقالات جماعية
نقص المستلزمات الطبية دفع عددا كبيرا من أعضاء المنظومة الطبية، لتقديم استقالاتهم استشعارًا للحرج ومنعًا للدخول في صدامات مباشرة مع المرضى وذويهم، وكان آخرهم مدير مستشفى فرشوط المركزي نتيجة عدم توافر الفلاتر والمستلزمات الخاصة بوحدة الغسيل الكلوي.
كما شهدت مستشفى سمسطا المركزي ببني سويف الإثنين الماضي، واقعة التقدم باستقالات جماعية مُسببة لكل من مدير المستشفى الدكتور حسن حسان وعدد من نوابه إلى وزارة الصحة بسبب عدم تعاون مسؤولي مديرية الصحة هناك معهم، بحسب بيانهم، واتهمت إدارة المستشفى مسؤولي الوزارة في مديرية الصحة بالتقصير في عملهم، ما تسبب في نقص المستلزمات الطبية بالمستشفى، وكذلك عدم اتخاذ إجراءات قانونية ضد الأطباء غير المتعاونين.
وبدأت الأزمة عقب تحرير سعر صرف الدولار وتعويم العملة المحلية، الأمر الذي انعكس سلبًا على حجم المبيعات في سوق المستلزمات الطبية أمام الشركات الخاصة التي انخفضت إلى 50%، ما أدى إلى توقف الشركات عن التوريد، وإغلاق أبواب عدد من المصانع، نظرا لفرق سعر الدولار قبل وبعد تعويم العملة وتكلفة الاستيراد أصبحت أضعاف السعر المُتفق عليه، في الوقت الذي تقف فيه وزارة الصحة عاجزة عن اتخاذ أي إجراء لسد العجز حتى أصبحت المستشفيات تعاني كل يوم من العجز الشديد في المستلزمات الطبية.
مناقصة برلين
واقعة الرشوة الشهيرة المُتهم فيها مستشار وزير الصحة والسكان الذي ضُبط متلبسا بتقاضي 4 ملايين جنيه من إجمالي رشوة قيمتها 6 ملايين من إحدى شركات الأجهزة والمستلزمات الطبية في قضية توريد أجهزة طبية لوحدة النخاع الشوكي بمعهد ناصر، كانت أحد أسباب دخول القوات المسلحة على خط التوريد.
وتم توقيع اتفاقية توريد المستلزمات الطبية لمستشفيات وزارة الصحة من قبل إدارة الخدمات الطبية بوزارة الدفاع في أكتوبر 2016 قبل قرار تعويم الجنيه من خلال تشكيل لجنة وطنية مختصة برئاسة رئيس الوزراء وتضم في عضويتها عددا من الوزارات والهيئات المختلفة؛ منها وزارات الدفاع والداخلية والصحة لتوحيد أنواع الأصناف وشرائها بسعر أقل وجودة أكبر.
تشتري اللجنة الوطنية بالسعر الموحد للمستلزمات والأجهزة الطبية والتي بدأت بمناقصة برلين لتوفير الفلاتر الخاصة بمرضى الغسيل الكلوي والمستهلكات الأساسية، ومنع طرح المناقصات فى موعدها الرسمي خلال شهر يونيو وتولي إدارة الخدمات الطبية شراء جميع المستلزمات عن طريق مناقصة واحدة.
ويضم السوق المصري نحو 170 مصنعًا محليًا لإنتاج المستلزمات الطبية وأكثر من 3 آلاف شركة تجارية، ويصل عدد المنتجات المتداولة ما يقرب من 10 آلاف صنف، وبموجب القانون، تتولى وزارة التموين أعمال التفتيش والرقابة على شركات المستلزمات الطبية، نتيجة كثرة ظهور وتداول المنتجات المغشوشة، فضلا عن عدم وعي المفتشين بجودة تلك المنتجات من عدمها في بعض الأحيان.
منظومة فاشلة
غياب الاستراتيجية الواضحة في التعامل مع قطاع المستلزمات الطبية وعدم حل المشكلات المتراكمة التي يعاني منها، أدى إلى تراجع عدد المصانع العاملة بالقطاع من 215 قبل عام 2011 إلى 125 مصنعًا في الوقت الحالي؛ بسبب السياسات الخاطئة والفاشلة التي تُدار بها منظومة الصحة، التي تحولت إلى “صفيحة زبالة”، بحسب محمد إسماعيل عبده، رئيس شعبة المستلزمات الطبية بغرفة القاهرة التجارية.
عبده أوضح أن تعاقد إدارة الخدمات الطبية في مجال المستلزمات الطبية جاء بعد واقعة الرشوة الشهيرة بأن تُجرى المناقصات كلها تحت إشرافهم، ونجحوا في دخول مناقصة لشراء الأجهزة والمعدات والمستلزمات الطبية من ألمانيا بإجمالي 4 مليار جنيه وتوفير مليار جنيه من الميزانية العامة للدولة في تلك المناقصة، والاتفاق يجري مع عدد من الشركات التي تقبل البيع بالسعر الأقل والجودة الأفضل لكل مستهلك حتى لا تكون تحت رحمة شركة واحدة على اعتبار أن المستلزمات الأساسية الطبية من السلع الاستراتيجية التي يعتمد عليها الأمن القومي، حسبما أكد.
وأضاف عبده لـ”البديل” أن المستلزمات الطبية سلعة غير مرنة، وبعد زيادة سعر الدولار من 8.80 إلى 18 جنيها دفعة واحدة، تضرر الموردون الكُبار الذين كانوا يشترون السلعة بضعف سعرها، ما اضطر عدد كبير منهم للتوقف عن الاستيراد وتسيير خطابات ضمانها وتسريح عمالها وخراب بيوتهم، متابعا: شركتي مثلًا كانت تستورد 3 ملايين جوانتي طبي سنويًا بـ47 جنيه، وأقوم بتوريدها للمستشفيات حتى الآن بسعر 24 جنيها، ما اضطر عددا كبيرا من الشركات للتوقف عن الاستيراد والتوريد لوزارة الصحة، وأغلقت شركات أخرى أبوابها بسبب إفلاسها.
عجز ميزانية الصحة
وأكد الدكتور محمد عز العرب، مؤسس وحدة الأورام بمعهد الكبد، أن هناك عجزا حادا في ميزانية الصحة الأساسية تسبب في أزمات حقيقية للمواطن في تقديم الخدمات الأساسية للرعاية الصحية، مطالبا بضرورة تضافر جهود منظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال ووضع خطة مركزية في سبيل توفير المستلزمات الطبية اللازمة للمستشفيات وترشيد النفقات، قائلًا: “المستشفيات العامة والخاصة بها نقص حاد من المستلزمات الطبية الأساسية لمنع العدوى.. أوقفوا البذخ في إقامة الاحتفالات الدعائية ونريد عمل وعرق حقيقي للقضاء على المرض ولمكافحة العدوى”.
“الصحة”: الأزمة اتحلت
في المقابل، تنفي وزارة الصحة والسكان عبر متحدثها الرسمي الدكتور خالد مجاهد، وجود أي عجز في المستلزمات الطبية خلال الوقت الحالي، مضيفا أنه تم حل مشكلة نقص المستلزمات الطبية بصورة نهائية بعد توفيرها عن طريق الشراء الموحد من مناقصة برلين، وتم شراء مستلزمات طبية تكفي المستشفيات من عامين إلى ثلاثة أعوام.