محمد شوقي يكتب: الاستدامة في صناعة الدواء المصرية ركيزة أساسية لمستقبل صحي
تُعدّ صناعة الدواء في مصر إحدى الركائز الاستراتيجية للاقتصاد الوطني، وأحد الأعمدة الأساسية لتحقيق الأمن الصحي للمواطنين. ومع تنامي التحديات البيئية والاقتصادية العالمية، بات من الضروري أن تتبنى هذه الصناعة مفهوماً أكثر شمولاً للاستدامة، لا باعتباره خيارًا إضافيًا، بل كضرورة ملحّة لضمان استمرارية الإنتاج وجودة الخدمات الصحية.
يعاني قطاع الدواء المصري من عدة تحديات تؤثر على مساره نحو الاستدامة، من أبرزها الاعتماد الكبير على استيراد المواد الخام، وارتفاع تكاليف الإنتاج والتوزيع، إلى جانب التحديات البيئية المرتبطة بالنفايات الدوائية، التي تُعد من أخطر أنواع النفايات على الصحة والبيئة.
ولمواجهة هذه التحديات، ينبغي أن تستند استراتيجية الاستدامة إلى محاور متكاملة تهدف إلى تعزيز الكفاءة والمرونة، وتحقيق الاستدامة البيئية والاجتماعية. ومن بين هذه المحاور: تعزيز البحث والتطوير، الذي يُعد من الركائز الأساسية، إذ يهدف إلى الاعتماد على المواد الخام المحلية، وتقليل الفجوة في سلاسل الإمداد، مما يساهم في تقليل الاعتمادية على الاستيراد وتحقيق إمدادات مستدامة.
ويُقترح إنشاء مجمعات دوائية متكاملة تجمع بين التصنيع، والتعبئة، والتوزيع تحت مظلة واحدة، لتعزيز الكفاءة وتقليل البصمة الكربونية للقطاع.
بالإضافة إلى ذلك، يُعد تطوير منظومة متكاملة لإدارة النفايات الدوائية أمرًا ضروريًا، لضمان التخلص الآمن من النفايات، وإعادة تدوير الممكن منها، مما يُقلل من الأثر البيئي ويحافظ على الصحة العامة.
ومن جهة أخرى، يجب اعتماد معايير التصنيع الأخضر، مثل استخدام المواد القابلة للتحلل، وتقليل استهلاك الموارد الطبيعية، إلى جانب التحول إلى الطاقة المتجددة في المنشآت الدوائية، من خلال استثمار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وخفض الانبعاثات.
كما يُعد جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البنية التحتية الدوائية المستدامة من العوامل المهمة لتعزيز النمو المستدام. غير أن هذا التحول الطموح لن يكتمل دون وجود إطار تشريعي داعم يواكب التغيرات العالمية في أنظمة التصنيع المستدام، إلى جانب توفير حوافز استثمارية تجذب رؤوس الأموال المحلية والدولية، وبناء القدرات البشرية المتخصصة في مجالات التكنولوجيا الحيوية والهندسة البيئية، وتعزيز ثقافة الابتكار داخل المصانع ومراكز البحث العلمي.
إن تبنّي مبدأ الاستدامة في صناعة الدواء لا يعني فقط تحسين الأداء البيئي، بل يفتح آفاقًا واسعة نحو تحسين جودة الرعاية الصحية، ورفع تنافسية المنتج المصري في الأسواق العالمية، وضمان استخدام أكثر كفاءة للموارد الطبيعية.
فالاستدامة في قطاع الدواء المصري ليست ترفًا، بل فرصة حقيقية لتحقيق نقلة نوعية نحو نظام صحي أكثر مرونة، وعدالة، واستدامة. ويتطلب تحقيق هذا الهدف تعاونًا وثيقًا بين الحكومة، والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، لبلورة رؤية استراتيجية واضحة تضمن مستقبلًا صحيًا وآمنًا للأجيال القادمة.
محمد شوقي
استشارى في مجالات الحوكمة والاستدامة