سوق الدواء
كل ما تريد معرفته عن سوق الدواء

د. مصطفى غراب يكتب.. مفهوم النفاذ الي الخدمات الصحية ودور القطاع الخاص 

تُعد إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية حقًا أساسيًا للإنسان، حيث تعتمد صحتنا ورفاهيتنا في قدرة الحصول على الرعاية اللازمة في الوقت المناسب.، ومع ذلك، لا يحظى الجميع بنفس القدر من الوصول إلى الخدمات الصحية، وتعتبر هذه التحديات في إمكانية الوصول أو النفاذ الي الخدمات الصحية تحدي عالمي يحتاج إلى حلول شاملة ومبتكرة.

في هذه المقالة، نتعرف على مفهوم النفاذ إلى الخدمات الصحية وكيف يساهم القطاع الخاص في تعزيز إمكانية الوصول إليها من وجهات نظر مختلفة، بما في ذلك المريض، ممول الخدمة الصحية، مقدم الخدمة الصحية، المشتري الاستراتيجي، والشركات المصنعة، خاصة وأن القطاع الخاص يساهم في مجال الرعاية الصحية بنسبة كبيرة ومتنامية، لا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وتقدر هذه المساهمة من 40% إلى 62% طبقا لمنظمة الصحة العالمية.

المفهوم الأساسي للنفاذ إلى الخدمات الصحية

تتعلق إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية بقدرة الأفراد في الحصول على الرعاية الصحية الملائمة في الوقت المناسب وبأماكن قريبة منهم.، وتشمل الخدمات الصحية النفاذ إلى العناية الوقائية والتشخيص المبكر، العلاجات اللازمة، والدواء والمنتجات الصحية الأساسية.

ويعتبر النفاذ إلى الخدمات الصحية حجر الزاوية في بناء نظام صحي شامل وعادل، حيث يؤثر على الجميع بغض النظر عن عوامل الديموغرافية أو الاقتصادية و لذلك سنتناول هذا المفهوم من منظور مختلف لكل الاطراف المعنية، المريض، أو ممول الخدمة الصحية، أو مقدم الخدمة الصحية، أو المشتري الاستراتيجي، أو منظور الشركات المصنعة للأدوية والمستلزمات الطبية، خاصة وان مفهوم النفاذ الي الخدمات الصحية هو المفهوم الاساسي لدعم الرعاية المتميزة التي تركز علي المريض أو ما يعرف بـ«Patient centered care».

منظور المريض أو المنتفع من الخدمة الصحية: تحسين وصول الرعاية

يلعب القطاع الخاص دورًا حاسمًا في تحسين إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية من وجهة نظر المريض. من خلال الابتكارات التكنولوجية ونماذج التوصيل المبتكرة، جعل القطاع الخاص الخدمات الصحية أكثر إمكانية الوصول وراحة وتركيزًا على المريض. على سبيل المثال، تمكن التكنولوجيا الطبية عن بُعد (التليميديسين) المرضى من التواصل مع مقدمي الرعاية الصحية عن بُعد، مما يزيل الحواجز الجغرافية ويقلل من أوقات الانتظار.

وعلاوة على ذلك، غالبًا ما يقدم مقدمو الرعاية الصحية الخاصة ساعات عمل ممتدة ومرنة، مما يتيح للمرضى حجز مواعيد تناسب جداولهم الشخصية ويسهم في تحسين وصولهم إلى الخدمات الصحية و اشار تحليل الاستجابات لاستقصاء للمرضى «أجرته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية∙، أن استخدام منصات الاستشارة عبر الفيديو التي طبقها القطاع الخاص، بإجمالي 3 ملايين استشارة عن بعد، في إنجلترا، بين 1 أبريل 2020 و31 مارس 2021، أن الرعاية عن بعد وفرت للمرضى 2.25 مليون ساعة من وقت الانتظار، بالاضافة الي ما يقرب من 99000 ساعة يتم توفيرها في إعدادات الرعاية العاجلة والطارئة، وقدرت الدراسة نفسها أن استشارات الفيديو وفرت للمرضى 40 مليون جنيه إسترليني من تكاليف سفر المرضى. ونتيجة لذلك، تم تجنب أكثر من 14200 طن من انبعاثات الغازات الدفيئة، وإمكانية إضافة 3 ملايين ساعة عمل إلى الاقتصاد أو 108 ملايين جنيه إسترليني في مكاسب إنتاجية العمل.

منظور ممول الخدمة الصحية: تحقيق الاستدامة المالية

يعد ممول الخدمة الصحية، سواء كانت الحكومة أو شركات التأمين الصحي، من الأطراف المعنية بتحقيق إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية. يعتبر القطاع الخاص شريكًا حيويًا في هذا السياق، حيث يمكنه توفير الاستثمارات والموارد المالية اللازمة لتحقيق الاستدامة المالية للنظام الصحي. يمكن للشركات الخاصة أن تقدم تمويلًا لتطوير البنية التحتية الصحية، وتعزيز البحث والابتكار في مجال الرعاية الصحية، ولكن المهمة الرئيسية هي توفير حزم التأمين الصحي للمجتمعات المحرومة وخاصة تعزيز المشاركة من أجل الحماية المالية «Financial protection)» للمرضي أو المنتفعين، والمساهمة في تقديم حذم الخدمات الاساسية «Basic benefit package» مما يضمن العدالة في تقديم الخدمات الصحية وهو من الأهداف الرئيسية للتغطية الصحية الشاملة أو تقديم حزم للخدمات الغير مغطاه تأمينيا حتي يكون هناك طابعا استثماريا يضمن توافر جميع الخدمات سواء كانت مغطاه أو غير مغطاه ويضمن الاستدامة المالية.

منظور مقدم الخدمة الصحية: تحسين جودة الرعاية

يساهم القطاع الخاص أيضًا في تعزيز إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية من خلال تحسين جودة الرعاية المقدمة. يتميز القطاع الخاص بالقدرة على تطوير وتبني أفضل الممارسات والتقنيات الطبية الحديثة، وتوفير العناية المبتكرة والمتقدمة. كما يعمل المقدمون الخاصون على تحسين تجربة المرضى وتلبية احتياجاتهم وتوفير الرعاية المركزة والمخصصة للمجموعات الهدف مثل كبار السن والأطفال والمرضى ذوي الأمراض المزمنة وهذا ما يعكسه تقرير نشرته مجلة «lancet» حيث يوفر القطاع الخاص نسبة كبيرة من خدمات الرعاية الصحية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، تتراوح بين 30% إلى 70% من رعاية المرضى في الاقسام و العيادات الخارجية «outpatient»، و20% إلى 80% من رعاية المرضى القسم الداخلي «inpatient».

منظور المشتري الاستراتيجي: التفاوض على الأسعار والجودة

بشكل عام، يمكن القول إن الشراء الاستراتيجي للأدوية والمستلزمات الطبية هو من اهم عوامل التغطية الصحية الشاملة و يعزز مفهوم النفاذ للخدمات الصحية عن طريق ضمان توفر المنتجات الحيوية، تحقيق توازن بين الجودة والتكلفة خاصة اذا كان متركز علي مفهوم اقتصاديات الصحة ، تعزيز المنافسة وتنوع الموردين، وتحقيق الاستدامة والتوازن الإقليمي. يجب أن يتم تنفيذ الشراء الاستراتيجي بشكل شفاف ومبني على مفاهيم الحوكمة والمعايير الدولية وأفضل الممارسات لضمان تحقيق أقصى قدر من الفوائد للمرضى والمجتمعات خاصة في عصر تمثل فيه سلاسل المداد حجر الزاوية في الاقتصاد العالمي في كل المجالات ليس فقط من المنظور الصحي.

منظور الشركات المصنعة للأدوية والمستلزمات الطبية: الابتكار وتوفير المنتجات الحيوية

تلعب الشركات المصنعة للأدوية والمستلزمات الطبية دورًا حاسمًا في تعزيز إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية. تعمل هذه الشركات على تطوير وابتكار الأدوية والمنتجات الطبية الحيوية التي تلبي احتياجات المرضى وتحسن جودة الرعاية الصحية. تعزز الشركات المصنعة للأدوية والمستلزمات الطبية التوسع في خيارات العلاج والرعاية، وتسهم في توفير منتجات ذات جودة عالية وبأسعار معقولة وهذا ما ينعكس في حركات الهيكلة الادارية الشاملة التي تقوم بها معظم الشركات والتي تقوم علي دعم البحث العلمي والتركيز علي الأدوية المبتكرة وذلك لضمان الاستدامة الادارية والمالية.

بفضل الابتكارات التكنولوجية والبحث والتطوير المستمر، تقدم الشركات المصنعة حلاً للتحديات الصحية العالمية وتعمل على توفير أدوية جديدة لعلاج الأمراض النادرة والمستعصية. علاوة على ذلك، تلعب الشركات المصنعة دورًا هامًا في توفير المستلزمات الطبية الحيوية مثل الأجهزة الطبية المتطورة والمعدات الطبية الحديثة التي تساعد في تشخيص وعلاج الأمراض.

ومن خلال الشراكات مع المؤسسات الصحية والحكومات، تعمل الشركات المصنعة على تعزيز الوصول إلى الأدوية الأساسية والمستلزمات الطبية في المناطق النائية والمحرومة. وبالتعاون مع المنظمات الدولية، يتم توفير الأدوية بأسعار مخفضة للدول النامية، مما يساهم في تحسين إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية في تلك المناطق.

ختامًا:

إن النفاذ إلى الخدمات الصحية يعد تحديًا عالميًا يتطلب تدخلاً شاملاً ومتكاملاً من القطاع الخاص. تلعب الشركات المصنعة للأدوية والمستلزمات الطبية و شركات تقديم الخدمات الصحية و شركات تمويل الخدمات الصحية و الشراء الاستراتيجي دورًا حاسمًا في تعزيز إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية من خلال الابتكار وتوفير المنتجات الحيوية وتحسين جودة الرعاية. ومن خلال الشراكات والتعاون مع المؤسسات الصحية والحكومات، يمكن تحقيق تقدم كبير في توفير الرعاية الصحية للجميع، بغض النظر عن عوامل الديمغرافية أو الاقتصادية.

لذا، يجب أن نعمل جميعًا على تعزيز الشراكات بين القطاعي العام و الخاص وتوسيع الجهود التعاونية بين القطاعات المختلفة لتعزيز الصحة العامة وضمان إمكانية الوصول العادلة إلى الخدمات الصحية للجميع.

اترك تعليق