سوق الدواء
كل ما تريد معرفته عن سوق الدواء

د. شريف كمال يكتب.. تعزيز تعويض خدمات الصيدلة الإكلينيكية في مصر ضمن التغطية الصحية الشاملة

تلعب خدمات الصيدلة الإكلينيكية دورًا حاسمًا في تحسين نتائج المرضى، وزيادة سلامة الأدوية، وتعزيز جودة الرعاية الصحية. ومع اتجاه مصر نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة، يصبح دمج وتعويض خدمات الصيدلة الإكلينيكية ضمن النظام الصحي أمرًا ضروريًا لضمان استدامة هذه الخدمات. تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على أهمية هذه الخدمات، واقتراح نموذج لتعويضها ضمن إطار التغطية الصحية الشاملة.

ما المقصود بتعويض خدمات الصيدلة الإكلينيكية؟

تعويض خدمات الصيدلة الإكلينيكية يعني تقديم مقابل مادي للصيادلة عن الخدمات المتخصصة التي يقدمونها في مجال الرعاية الصحية. يتم هذا التعويض عادةً من قبل الهيئات الصحية أو شركات التأمين، وهو ضروري لضمان استمرارية هذه الخدمات. في مصر، يُعد دمج تعويضات الصيدلة الإكلينيكية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل خطوة مهمة لتحسين كفاءة النظام الصحي.

وفي سياق الأنظمة الصحية مثل مصر، حيث تتجه البلاد نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة، يُعتبر تعويض خدمات الصيدلانية من خلال منظومه التامين الشامل خطوة مهمة لضمان استمرارية وجودة هذه الخدمات. يضمن هذا التعويض أن الصيادلة يمكنهم تقديم رعاية صيدلانية شاملة تشمل إدارة العلاجات الدوائية، توفير التوعية الدوائية، مراقبة التفاعلات بين الأدوية، وتقديم استشارات صحية وفقًا لاحتياجات المرضى، دون تحميل المريض عبء التكاليف المالية مباشرة.

الهدف من التعويض العادل لخدمات الصيدلة الإكلينيكية:

تسعى التغطية الصحية الشاملة في مصر إلى ضمان حصول جميع المواطنين على الرعاية الصحية اللازمة دون أن يشكل ذلك عبئًا ماليًا كبيرًا عليهم. لتحقيق هذا الهدف، يعد تعويض خدمات الصيدلة الإكلينيكية بشكل عادل وفعال جزءًا لا يتجزأ من النظام. من خلال تقديم تعويضات ملائمة، يمكن تحفيز الصيادلة على تقديم خدمات ذات جودة عالية مع التركيز على تعزيز نتائج العلاج وتقليل التكاليف المرتبطة بإدارة الأمراض المزمنة.

أهمية خدمات الصيدلة الإكلينيكية:

  1. تحسين نتائج المرضى:

الصيادلة الإكلينيكيين يلعبون دورًا فعالًا في إدارة العلاج الدوائي، تعزيز الالتزام بالأدوية، وتقديم المشورة للمرضى. تؤدي هذه الجهود إلى تحسين نتائج المرضى من خلال تقليل إعادة القبول بالمستشفيات وإدارة الأمراض المزمنة بشكل أفضل.

لعب الصيادلة الإكلينيكيون دورًا حيويًا في إدارة العلاج الدوائي من خلال التأكد من أن المرضى يتلقون الجرعات الصحيحة ويتبعون النظام العلاجي الملائم لحالتهم الصحية. وفقًا لدراسة أجرتها الجمعية الأمريكية للصيادلة الإكلينيكيين (ASHP)، ساهمت تدخلات الصيادلة الإكلينيكيين في تقليل نسبة إعادة دخول المرضى إلى المستشفيات بنسبة تصل إلى 30% بين المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري وأمراض القلب .

أظهرت دراسة أخرى في مجلة Journal of Managed Care & Specialty Pharmacy أن وجود صيدلي إكلينيكي ضمن فريق الرعاية الصحية ساهم في تقليل الأخطاء الدوائية بنسبة تصل إلى 50%، مما أدى إلى تحسين نتائج المرضى بشكل كبير .

  1. توفير التكاليف:

تلعب خدمات الصيدلة الإكلينيكية دورًا مهمًا في توفير التكاليف من خلال تقليل الأخطاء الدوائية ومنع الأحداث الضارة المرتبطة بالأدوية. هذه التدخلات تقلل من الحاجة إلى الرعاية الصحية الطارئة وإعادة إدخال المرضى إلى المستشفيات، مما يؤدي إلى تخفيض التكلفة الإجمالية للرعاية الصحية.

فان التدخلات الدوائية التي يقدمها الصيادلة الإكلينيكيون أدت إلى تقليل معدلات إعادة القبول بالمستشفيات. في دراسة أجرتها Mayo Clinic Proceedings، تم تقليل معدلات إعادة القبول بنسبة 15% بين المرضى الذين تلقوا استشارات دوائية متكررة من الصيادلة الإكلينيكيين مقارنة بالمرضى الذين لم يتلقوا هذه الخدمات .

كما أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة الصيدلة الإكلينيكية الأمريكية (ACCP) أن تدخلات الصيادلة الإكلينيكيين يمكن أن تقلل من الأحداث الضارة المتعلقة بالأدوية بنسبة تصل إلى 30%. وجدت الدراسة أن التكلفة السنوية للأحداث الضارة المتعلقة بالأدوية في الولايات المتحدة تُقدر بحوالي 136 مليار دولار. بتقليل الأحداث الضارة بنسبة 30%، يمكن توفير ما يصل إلى 40.8 مليار دولار سنويًا.

و كذلك أظهرت دراسة أجرتها Mayo Clinic Proceedings أن المرضى الذين تلقوا استشارات دوائية متكررة من الصيادلة الإكلينيكيين تم تقليل معدلات إعادة إدخالهم إلى المستشفى بنسبة 15%. مع الأخذ في الاعتبار أن متوسط تكلفة إعادة إدخال المريض إلى المستشفى في الولايات المتحدة يبلغ حوالي 13,800 دولار، يمكن توفير ما يصل إلى 2,070 دولار لكل مريض، مما يساهم في توفير شامل كبير على مستوى النظام الصحي.

و أثبتت دراسة من Health Affairs أن تدخلات الصيادلة الإكلينيكيين في الرعاية الأولية أدت إلى انخفاض زيارات الطوارئ بنسبة 25% بين المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري وأمراض القلب. مع الأخذ في الاعتبار أن التكلفة المتوسطة لزيارة قسم الطوارئ تتراوح بين 1,200 دولار و 2,000 دولار، يمكن لتقليل زيارات الطوارئ أن يوفر ما يصل إلى 500 دولار إلى 1,000 دولار لكل مريض سنويًا.

  1. كفاءة الرعاية الصحية:

دمج خدمات الصيدلة الإكلينيكية ضمن النظام الصحي يساهم في تحسين كفاءة الرعاية الصحية من خلال تبسيط استخدام الأدوية وتقديم العلاجات الأكثر فعالية بناءً على الحالة الصحية الفردية للمرضى.

وفقًا لدراسة نشرتها Institute of Medicine (IOM)، تبلغ تكلفة الهدر في النظام الصحي الأمريكي بسبب استخدام الأدوية غير الملائمة أو غير الضرورية حوالي 77 مليار دولار سنويًا. عندما يتدخل الصيادلة الإكلينيكيون لتقييم العلاجات وضمان استخدامها الصحيح، يمكن تقليل هذا الهدر بنسبة تصل إلى 15-20%، ما يعني توفيرًا يتراوح بين 11.5 إلى 15.4 مليار دولار سنويًا.

أشارت دراسة نُشرت في British Medical Journal (BMJ) إلى أن التفاعلات الدوائية الضارة تكلف النظام الصحي البريطاني ما يقارب 500 مليون جنيه إسترليني سنويًا. تدخلات الصيادلة الإكلينيكيين تقلل هذه التفاعلات بنسبة 30-50%، ما يعني توفير ما يصل إلى 150-250 مليون جنيه إسترليني سنويًا. يمكن تطبيق نتائج مشابهة في نظم صحية أخرى تعتمد على دمج خدمات الصيدلة الإكلينيكية.

توفير العلاجات الأكثر فعالية بناءً على الحالة الصحية الفردية يقلل من الاستخدام غير الضروري للأدوية. وفقًا لتقرير صادر عن World Health Organization (WHO)، يمكن أن يقلل هذا النهج من التكاليف الدوائية بنسبة تصل إلى 20% في البلدان التي تعتمد على نظم صحية متقدمة، وهو ما قد يعني توفير مليارات الدولارات سنويًا، خاصة في الأنظمة الصحية الكبيرة.

  1. دعم إدارة الأمراض المزمنة:

تقديم الدعم المستمر وإدارة الأمراض المزمنة من قبل الصيادلة الإكلينيكيين يحسن جودة حياة المرضى، ويساعد في تقليل الحاجة إلى التدخلات الطبية المكلفة.

ان إدارة الأمراض المزمنة تعد من أهم الأدوار التي يقوم بها الصيادلة الإكلينيكيون. وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن الصيادلة الإكلينيكيين لعبوا دورًا أساسيًا في تحسين السيطرة على الأمراض المزمنة، مثل مرض السكري من النوع 2، مما أدى إلى تحسن بنسبة 30% في معدلات التحكم في مستويات السكر في الدم .

الصيادلة الإكلينيكيون يساعدون المرضى على فهم أهمية الالتزام بالأدوية، وهو ما يؤدي إلى تحسن كبير في التزامهم بالنظام العلاجي. وجدت دراسة أجريت في المملكة المتحدة أن الاستشارات المنتظمة من قبل الصيادلة الإكلينيكيين حسنت الالتزام بالأدوية بنسبة 20-25% بين المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والربو .

و كما تم في دراسة أجرتها American Pharmacists Association (APhA)، لوحظ أن تحسين الامتثال بالأدوية بفضل تدخلات الصيادلة الإكلينيكيين أدى إلى توفير حوالي 3.9 مليار دولار في تكاليف الرعاية الصحية، خصوصًا للمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري وأمراض القلب.

نموذج التعويض المقترح:

لضمان استدامة خدمات الصيدلة الإكلينيكية، من الضروري وجود نظام تعويض منظم يضمن تقديم مكافآت عادلة على الخدمات المقدمة. يتم حساب رسوم الخدمة بناءً على المعايير التالية:

الرسوم = (الوقت المستغرق × معدل الساعة) + تكلفة الموارد المستخدمة + تكلفة الاستشارات الخاصة + التكاليف الإضافية

تفصيل الصيغة:

  1. الوقت المستغرق:
    • يمثل الوقت الذي يقضيه الصيدلي في تقديم الخدمة ويُقاس بالدقائق أو بالساعات.
    • معدل الساعة: يتحدد بناءً على خبرة الصيدلي، الموقع الجغرافي، وتعقيد الحالة الطبية.
  2. تكلفة الموارد المستخدمة:
    • تشمل تكلفة أي مواد أو موارد إضافية تُستخدم أثناء تقديم الخدمة، مثل الأدوات التشخيصية أو المواد التعليمية.
  3. تكلفة الاستشارات الخاصة:
    • تغطي تكاليف أي استشارات إضافية، مثل التواصل مع أطباء متخصصين أو تقديم مراجعات متخصصة للعلاج.
  4. التكاليف الإضافية:
    • تشمل تكاليف مثل إدارة العمليات، تكاليف البنية التحتية، أو أي خدمات داعمة أخرى.

حساب نموذجي:

لنفترض أن خدمة الصيدلة الإكلينيكية استغرقت ساعة واحدة، مع البيانات التالية:

  • أجر الصيدلي الساعي: 200 جنيه مصري
  • تكلفة المواد: 50 جنيه
  • إجمالي التكاليف الشهرية للنفقات العامة: 10,000 جنيه
  • إجمالي التكاليف الإدارية الشهرية: 2,000 جنيه
  • هامش الربح المرغوب: 20%
  • عدد ساعات التشغيل الشهري: 160 ساعة

التحديات التي تواجه تعويض خدمات الصيدلة الإكلينيكية:

على الرغم من الفوائد الواضحة، يواجه دمج تعويض خدمات الصيدلة الإكلينيكية بعض التحديات. من بين هذه التحديات:

  1. نقص السياسات الواضحة: يجب تطوير سياسات تعويض محددة ومتناسبة مع حجم الخدمات التي يقدمها الصيادلة الإكلينيكيون.
  2. نقص الموارد المالية: يتطلب تقديم تعويض ملائم تخصيص ميزانيات إضافية من الحكومة أو شركات التأمين الصحي، مما قد يمثل تحديًا في ظل الضغوط الاقتصادية.
  3. التوعية والدعم: من الضروري زيادة وعي الجمهور والجهات المعنية بأهمية دور الصيدلي الإكلينيكي لضمان دعم سياسات التعويض.

الخاتمة:

يُعد دمج وتعويض خدمات الصيدلة الإكلينيكية ضمن نظام التأمين الصحي الشامل في مصر خطوة حاسمة لضمان تحسين جودة الرعاية الصحية وتحقيق استدامتها على المدى الطويل. يوفر هذا النهج إطارًا للتعويض العادل الذي يضمن للصيادلة الإكلينيكيين الاستمرار في تقديم خدماتهم الحيوية، التي تساهم بشكل كبير في تحسين النتائج الصحية للمرضى، تعزيز سلامة الأدوية، وتقليل معدلات الأخطاء الدوائية.

علاوة على ذلك، يساهم دمج هذه الخدمات في تقليل التكاليف العامة للرعاية الصحية من خلال الحد من إعادة إدخال المرضى إلى المستشفيات، منع الأحداث الضارة المرتبطة بالأدوية، وتحسين الامتثال العلاجي. مع وجود نموذج تعويض منظم وفعال، يمكن تحسين كفاءة تخصيص الموارد الصحية وضمان توفير الرعاية الصحية للجميع بطريقة عادلة ومستدامة.

إن استثمار مصر في تعزيز دور الصيادلة الإكلينيكيين داخل النظام الصحي سيساهم في بناء نظام رعاية صحية أكثر مرونة، فعالية، واستجابة لاحتياجات المرضى، مما يعزز من مكانة النظام الصحي المصري كواحد من الأنظمة القادرة على تقديم تغطية شاملة بجودة عالية.و ضمان نجاح هذا التوجه، نحث الجهات المعنية في النظام الصحي المصري على تبني سياسات واضحة لتعويض الصيادلة الإكلينيكيين ضمن إطار التأمين الصحي الشامل، وذلك لضمان استمرارية هذه الخدمات التي تعد ركيزة أساسية في تقديم رعاية صحية متكاملة وشاملة.

الدكتور شريف كمال

مستشار رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية للشؤون الصيدلية وإدارة الدواء

اترك تعليق