هل تؤثر زيادة الوزن على مخ الإنسان؟
يركز المتخصصون في مجال الصحة واللياقة البدنية بشكل كبير على رصد كيفية تأثير الوزن الزائد على الجسم، ليس فقط فيما يتعلق بالمظهر، ولكن أيضاً فيما يتعلق بمقاومة الأنسولين والآثار السلبية على القلب والأوعية الدموية وصحة العظام والمفاصل وخطر الإصابة بالسرطان ومتلازمة التمثيل الغذائي، وغيرها من الأمراض.
والمثير للدهشة أنه ثبت أن الزيادة في الوزن أو السمنة تؤثر على مخ الإنسان أيضاً، وفقاً لما نشره موقع “My Fitness Pal”.
وتشير إحدى الدراسات العلمية إلى أن هناك ارتباطا بين السمنة والإصابة بأمراض السكري وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب والالتهابات، والتي يمكن أن تتضافر جميعها لتزيد من خطر حدوث مشاكل معرفية للأطفال، وقد تستمر هذه الصعوبات إلى مرحلة البلوغ.
ولكن هل يعني ذلك أن فقدان الوزن يجعل الإنسان أكثر ذكاءً وأكثر تركيزاً؟ طبعاً لا. فهناك بعض التغييرات المؤقتة التي تطرأ على المخ أثناء فقدان الوزن، حيث إن إنقاص الوزن يلعب دوراً في كيفية عمل المخ، وبالتالي تبرز أهمية الحفاظ على وزن مناسب للجسم والأداء الجيد للمخ.
1– مقاومة المخ للنظام الغذائي الصحي
لاحظ فريق من الباحثين، في إحدى الدراسات العلمية، عند فحص المشاركين، الذين فقدوا 10% من وزنهم، أن لديهم نسبة هرمون الليبتين أقل مما كان قبل فقدان الوزن. والليبتين هو هرمون يشير إلى الشبع لحث الإنسان على التوقف عن تناول الطعام، وتطلقه الخلايا الدهنية. وعندما يكون هناك انخفاض في إجمالي الدهون، أو عندما تتقلص هذه الخلايا، يستجيب الجسم عن طريق الحد من إطلاق الليبتين للإشارة إلى نقص الطاقة في المخ. والأسوأ من ذلك، أن المخ يستجيب من خلال محاولة زيادة السعرات الحرارية، مما يجعل الشخص يتوق إلى الأطعمة الدهنية عالية السعرات الحرارية، التي تسبب ارتفاع مستويات الليبتين. ويؤكد الخبراء أن هناك حلاً سريعاً محتملاً عندما يصل المخ إلى تلك الحالة وهي الحصول على مزيد من ساعات النوم.
وتقول الدكتورة داريا لونج غيليسبي، الأستاذة المساعدة لطب الطوارئ في جامعة تينيسي: “يؤدي الحرمان من النوم إلى إفراز هرمون الليبتين، ما يؤثر سلباً على الهرمونات الأخرى. ولكن مع النوم والتمارين الرياضية، وانخفاض معدلات تناول السكر وتقليل الإجهاد، يمكنك المساعدة في توجيه هرمونات الجسم إلى مسار أفضل“.
2– تغير حجم المخ وتحسن الذاكرة
وفي دراسة حديثة، تم ربط الدهون الزائدة في الجسم بانخفاض الحجم الكلي للمخ، مما قد يؤدي إلى مشاكل إدراكية، مع التقدم في العمر، وفق الباحث الرئيسي، البروفيسور مارك هامر، من جامعة لوبورو في إنجلترا.
وتبين أن المشاركين في الدراسة العلمية الذين زادت أوزانهم بدرجة كبيرة ويعانون من سمنة مفرطة تحديداً في منطقة الخصر، تأثروا بشكل خاص من مشاكل إدراكية وضعف الذاكرة.
ويقول هامر إنه “ربما يكون السبب في ذلك أن الدهون في البطن تنتج السيتوكينات، وهي بروتينات صغيرة تشارك في إشارات الخلية، أي عندما تكون وفيرة للغاية، يمكن أن تصبح التهابية. وإذا حدثت تلك الحالة فيمكن أن تكون ذات تأثير سلبي على أنواع مختلفة من الناقلات العصبية، وهذا قد يقلل من حجم المخ“.
ويضيف: “وعلى الرغم من ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث لتحديد الدرجة التي يمكن أن يؤدي بها فقدان الوزن إلى زيادة الحجم، فإن التخلص من الوزن الزائد يمكن أن يؤدي على الأقل إلى انخفاض مستويات الالتهاب، وبالتالي من المحتمل أن يكون له تأثير على الحجم الكلي للمخ“.
من جهته، يقول ماثيو كابولونغو، أخصائي تحسين أداء في الأكاديمية الوطنية للرياضات الطبية ومدرب في نيويورك: “إذا كنت تفقد الوزن لأنك تقوم بدمج تمارين الكارديو (القلب والأوعية الدموية)، فإن ذلك يمكن أن يزيد أيضاً حجم المخ”، لافتاً إلى أن هذا النوع من التمارين مرتبط بزيادة حجم المخ، خاصة عند ممارساتها بكثافة عالية.
ويضيف كابولونغو: “مع زيادة حجم المخ، تصبح هناك قدرة أكبر على القيام بمهام معقدة وحل المشكلات ومعالجة المعلومات، لأنه يكون هناك زيادة في حجم الحصين، وهو جزء من المخ مسؤول عن الذاكرة والتعلم“.
3– انضباط أداء المخ
وفي دراسة صغيرة، أجريت على النساء اللائي فقدن الوزن نتيجة لجراحة السمنة، وجد الباحثون أن المشاركات حققن نتائج أفضل في اختبارات الوظيفة التنفيذية مقارنة بالأداء في نفس الاختبارات قبل الجراحة، مما يعني أنهن أصبحن أكثر مهارة في التخطيط ووضع الاستراتيجيات والتنظيم.
ومن المحتمل أن تكون النتائج مرتبطة بكيفية استقلاب النساء للسكر بمعدل أعلى في أمخاخهن مقارنة بأولئك اللاتي كن وزنهن أقل. ووفقاً لأحد باحثي الدراسة، الدكتور سينتيا كيراتو، من جامعة ساو باولو، بمجرد فقدان الوزن بعد الجراحة، تحولت معدلات التمثيل الغذائي للمخ لدى المشاركات إلى مستوى أقل وأكثر طبيعية.
وتؤكد كيراتو أن النساء لم يكن يفتقرن إلى مهارات الوظيفة التنفيذية من قبل، لكن كان على أمخاخهن ببساطة أن تعمل بجهد أكبر عندما كن يحملن وزناً أكبر، بما يعني أن فقدان الوزن أصبح نوعاً من الضبط الذي جعل أمخاخهن تعمل بكفاءة أكبر.
وبشكل عام، يمكن أن تكون الآليات التي تنطوي على اتصال بين المخ والجسم معقدة، لكن هناك شيء واحد واضح وهو أن فقدان الوزن يؤثر على طريقة التفكير وتذكر ومعالجة المعلومات.