د. مصطفى غراب يكتب.. الشراكة بين القطاعين العام والخاص «PPP» ودورها في تحسين الخدمات الصحية
يعتبر القطاع الصحي من أهم القطاعات التي يولي بها العالم اهتماماً بشكل منقطع النظير، وتطورت نظرة العالم لهذ القطاع وأصبح أمن قومي واستراتيجي خاصة بعد أزمة كورونا، وبات من الضروري التحول الاستراتيجي الي الفكر الاستباقي وتحويل هذا القطاع من كونه قطاع خدمي فقط الي قطاع خدمي استثماري في ظل الحاجة الملحة الي تقديم الخدمات الصحية بجودة عالية رغم ارتفاع التكاليف وزيادة الأعباء على كاهل الحكومات .
ولذلك تحتاج السياسات والاستراتيجيات والخطط الصحية الوطنية إلى تعزيز دمج القطاعات المختلفة للصحة في إطار عام للحوكمة تتوافر له المقومات والأطر القانونية والتنظيمية والمؤسسية المناسبة، ولذلك ظهر مفهوم الشراكات بين القطاعين العام والخاص «PPP» وهي آلية تعاونية تهدف إلى تحقيق أهداف مشتركة بين الحكومة والشركات الخاصة في تقديم الخدمات العامة، واحدة من تلك المجالات الحيوية حيث تظهر أهميتها بشكل كبير هي القطاع الصحي.
وتعتبر هذه الشراكات حلاً استراتيجيًا لتحسين جودة الخدمات الصحية في جميع أنحاء العالم وتعزيز الوصول إليها للمجتمعات.
أولاً: وقبل كل شيء، يوفر تكامل القطاعين العام والخاص في القطاع الصحي فرصة للتوسع في القدرات والموارد المتاحة، وعادةً ما يكون للقطاع العام موارد محدودة وتحديات إدارية، في حين أن القطاع الخاص يتميز بالكفاءة والمرونة في إدارة المشاريع، ومن خلال الجمع بين قوى القطاعين، يمكن تعزيز البنية التحتية للرعاية الصحية وتحسين التمويل والتسهيلات اللازمة لتقديم خدمات ذات جودة عالية.
ثانيًا: تساهم الشراكات بين القطاعين في تعزيز الابتكار والتكنولوجيا في مجال الرعاية الصحية، ويمكن للشركات الخاصة توفير الخبرة والتكنولوجيا المتقدمة لتحسين التشخيص والعلاج وتوفير حلول فعالة للتحديات الصحية المعقدة. على سبيل المثال، يتعاون القطاع العام والخاص في بعض البلدان في تطوير أجهزة طبية متطورة وتكنولوجيا المعلومات الصحية والتطبيقات الذكية التي تعزز رعاية المرضى وتحسن إدارة السجلات الطبية.
ثالثًا: تساعد الشراكات بين القطاع العام والخاص في تعزيز الوصول إلى الخدمات الصحية «Accessibility». يُعد توفر الرعاية الصحية أمرًا حيويًا للمجتمعات، ولكن قد يواجه العديد من الأفراد والمناطق النائية صعوبة في الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية. من خلال الشراكات بين القطاعين، يمكن توسيع نطاق الخدمات الصحية وتوفيرها في المناطق ذات الاحتياجات الخاصة، وتحسين التوزيع الجغرافي للخدمات الصحية لضمان وصول الرعاية الصحية للجميع.
بالاضافة الي ذلك تلعب الشراكات بين القطاعين العام والخاص دورًا حاسمًا في تحسين تقديم الخدمات الصحية في العالم.
واذا أردنا أن نضع أبرز المحاور الجاذبة والتي تمثل حاجة ملحة لتطبيق مفهوم «PPP» وخصوصا في ظل ارتفاع التكاليف وزيادة الأعباء خصوصا في البلدان عالية الكثافة فانها تتمثل في :
الشراكات الصحية العامة-الخاصة في توفير الرعاية الصحية الأساسية:
يتعاون القطاع العام مع الشركات الخاصة لتوفير الرعاية الصحية الأساسية للمجتمعات. على سبيل المثال، يمكن أن يتم تشغيل المستشفيات والمراكز الصحية من قبل الشركات الخاصة بتمويل من الحكومة، وهذا يسهم في توفير خدمات طبية عالية الجودة وزيادة الوصول إليها.
الشراكات في تطوير المرافق الصحية:
يمكن أن تشمل الشراكات بين القطاعين العام والخاص تطوير وبناء المستشفيات والمراكز الصحية الجديدة. يتعاون القطاع العام مع الشركات الخاصة لتمويل وبناء هذه المرافق الصحية، مما يؤدي إلى زيادة السعة السريرية وتحسين البنية التحتية للرعاية الصحية.
الشراكات في مجال البحث والتطوير:
يمكن للشركات الخاصة والمؤسسات البحثية أن تتعاون مع القطاع العام في مجال البحث والتطوير الصحي. يتم تبادل المعرفة والخبرات والموارد لتطوير حلول جديدة للأمراض وتحسين التشخيص والعلاج. هذه الشراكات تعزز التقدم العلمي وتعمل على تحسين الرعاية الصحية.
الشراكات في توفير الرعاية الصحية للمجتمعات المهمشة:
يمكن للشراكات بين القطاعين العام والخاص أن تركز على توفير الرعاية الصحية للمجتمعات المهمشة والفقيرة. يمكن أن تشمل هذه الشراكات توفير خدمات العناية الأساسية، وبرامج التثقيف الصحي، والوقاية من الأمراض، وتوفير الأدوية بأسعار معقولة.
الشراكات في تقديم الخدمات العلاجية المتخصصة:
يمكن أن تشمل الشراكات بين القطاعين العام والخاص تقديم خدمات علاجية متخصصة مثل عمليات القلب وزراعة الأعضاء والعلاجات السرطانية. يستفيد المرضى من الخبرة والتكنولوجيا العالية المتاحة في القطاع الخاص، بينما يتم تمويل بشكل مشترك وتنظيم هذه الخدمات بواسطة القطاع العام.
وأخيراً حتي تكون السياسات والاستراتيجيات والخطط الصحية الوطنية أكثر قوة ورصانة، ويزيد احتمال تنفيذها بكفاءة، يستوجب ذلك ان يشترك في إعدادها جميع الأطراف المعنية داخل القطاع الصحي وخارجه، بل وداخل الحكومة وخارجها.
ولذلك، فإنه من الضروري أن يتم إشراك المجتمع المدني كطرف أساسي في صنع السياسات، ووضع الاستراتيجيات، وكذلك في رصد وضمان المساءلة الاجتماعية.
ونظراً لكون القطاع الخاص (ما يهدف منه إلى الربح وما لا يهدف) مكونا رئيسيا من مكونات القطاع الصحي، لذا فمن الضروري أن يكون طرفا ً في وضع السياسات وعملية التخطيط.