مدير الإدارة الهندسية بـ«جمجوم فارما» مصر: «الغرف النظيفة» نظام متكامل يدعم تطور الصناعات الدوائية وينتج مستحضرات فائقة الآمان والجودة
قدم المهندس أحمد هلال مدير الإدارة الهندسية بشركة جمجوم فارما مصر، عرضاً وافياً حول إنشاء الغرف النظيفة في صناعة الدواء والطرق المثلى لإنشائها والدروس المستفادة منها، وذلك خلال مؤتمر تكنولوجيا الغرف النظيفة الذي أقيم خلال معرض فارما كونكس، المنعقد خلال الفترة 8-10 من سبتمبر الجاري.
وقال المهندس أحمد هلال، أن مصطلح الغرف النظيفة، بدأ استخدامه منذ ستينيات القرن العشرين بعد أن تم تعريفه على يد واليس وايتفيلد، الفيزيائي والباحث الأمريكي. ومنذ ذلك الحين، أصبحت تُستخدم بشكل واسع في صناعات واستخدامات متعددة، بدءًا من صناعة الأدوية والصناعات المتعلِّقة بالصحة، وصناعات التجميل، وصناعات الرقائق الإلكترونية، وعلوم الفضاء، والمعامل المختلفة، وكذلك غرف العمليات والتعقيم، وصناعات أخرى كثيرة.
وأوضح المهندس أحمد هلال، أن الغرف النظيفة تُعرَف بشكل مبسط بأنها الغرف التي يتم التحكم والمراقبة المستمرة لمستوى النظافة داخلها، بحيث لا تتجاوز الجزيئات الحرة والأجسام الميكروبية داخلها مستويات معينة. هذه المستويات محددة في الإصدارات العالمية المنظمة لإجراءات التصنيع الجيد، وأهمها (ISO 14644). كما يتم التحكم والمراقبة لدرجة الحرارة والرطوبة وغيرها من العوامل الجوية داخل الغرف النظيفة. يشمل تصميم الغرف النظيفة أيضًا التحكم في مجموعة واسعة من العوامل مثل الكهرباء الاستاتيكية، شدة الصوت، الاهتزازات، وسلامة الأفراد.
وقال أن هذا يجعل الغرف النظيفة واحدة من أهم الموضوعات التي يتعامل معها الفريق العامل في صناعات مثل صناعة الأدوية، بدءًا من دراسة جدوى المشروع، مرورًا بالتخطيط، ثم التنفيذ والتسليم، وانتهاءً بالعمل اليومي وحتى عند اتخاذ قرار بتغيير شكل النشاط أو توسيع الغرف الإنتاجية وتغيير أبعادها.
كما أن الاهتمام الأكبر الآن أصبح منصبًّا على ما يُسمى الغرف النظيفة سابقة التجهيز، وهي أنظمة كاملة من الغرف النظيفة يتم تصنيعها وفقًا لمتطلبات العميل واحتياجات مصنعه، والمساحات المتوفرة والمتاحة. وهنا يتطلب دقة كبيرة في توصيف المشروع من البداية، من وثيقة متطلبات المستخدم التي توضح للمصنع المحددات المطلوبة للمشروع، والتي سيتم تطويرها في مراحل التصميم والمراجعة المختلفة حتى يكون المشروع قابلًا للتنفيذ وموفيًا لاحتياجات المالك والمستخدم. ولهذا، هناك عوامل كثيرة يجب أخذها في الاعتبار في مراحل مشروع الغرف النظيفة.
أولاً: عند بدء دراسة المشروع
وثيقة متطلبات المستخدم: وهي الوثيقة التي يضع فيها المستخدم، وهو هنا المعني باستخدام هذه الغرف في النهاية، متطلباته. وعليه أن يأخذ في الاعتبار بعض المتطلبات العامة لكي تكون الغرف النظيفة ناجحة ومطابقة للمواصفات وقابلة للتنفيذ والإجازة من الجهات المعنية بإجازة المشروعات التي تتعلق بالصحة. وهذه أمثلة على ذلك:
- الأسطح: لابد أن تكون الأسطح في الغرف النظيفة ملساء وناعمة حتى يتم تقليل التصاق الجزيئات والأتربة بها، كما يجب أن تكون سهلة التنظيف ومغلقة بشكل لا يسمح بدخول أو خروج أي شيء من خلالها، كما يجب أن تكون سليمة تمامًا غير مكسورة أو مشوهة بحيث تؤدي لزيادة الجزيئات أو الأجسام الميكروبية في الغرف النظيفة.
- الأجهزة والفرش: داخل الغرف النظيفة لابد أن يكون الفرش والأجهزة فقط على قدر المطلوب بحيث لا يؤدي ذلك إلى تراكم الأتربة والجزيئات عليها.
- السقف المعلق: سقف الغرف النظيفة لابد أن يكون مغلقًا ومحكمًا تمامًا أينما وجد.
- التوصيلات: لابد أن تكون التوصيلات مثل التوصيلات الكهربائية ومواسير إمداد المياه والهواء المضغوط… إلخ، لابد أن تُركب بطريقة تحافظ على إحكام إغلاق الغرف النظيفة وعدم انتقال أو رفع قيم الأتربة والجزيئات.
- الصرف: يُمنع الصرف داخل الأماكن العقيمة داخل الغرف النظيفة وأشباه هذه المناطق.
- غرف عزل الهواء: وهي غرف مهمة جدًا لحفظ الغرف النظيفة عند المستويات المطلوبة وعدم خلط الهواء داخلها بهواء أقل منها نظافة. تُستخدم هذه الغرف دائمًا عند الأماكن التي يتم استخدامها لدخول الأفراد أو المنتجات أو خروجها، بحيث تحتاج هذه الأماكن إلى فتح الغرف النظيفة على أماكن أقل منها أو تساويها.
- لابد من أخذ في الاعتبار محددات أخرى كثيرة مثل: الإضاءة، مقاومة الحريق، قابلية النظام للتغيير… إلخ.
ثانيًا: عند التخطيط للمشروع
عند التخطيط للمشروع، لابد أن يأخذ فريق العمل في الحسبان مجموعة من النقاط الهامة:
- الرسم الهندسي التصميمي للمكان:
- يتم تجهيز الرسم الهندسي في مرحلة التصميم لمكان الإنتاج الذي سيتم إنشاء الغرف النظيفة فيه، ولابد من مراعاة أن يكون التصميم راعيًا لاستخدام المساحات بحكمة، بحيث لا يحدث هدر للمساحات أو تقليص لمساحات بشكل يصعب معه تركيب الماكينات أو القيام بعملية إنتاجية ناجحة.
- كما يتم مراعاة أن الغرف النظيفة هي نظام كامل يتقاطع مع أنظمة أخرى داخل المنطقة الإنتاجية، فأنظمة مثل نظافة تكييف الهواء، نظام إطفاء الحريق، المسارات الكهربائية، ومياه الإمداد… إلخ، ستتقاطع بشكل أكيد مع مكونات نظام الغرف النظيفة، وعليه لابد من أخذ هذه التقاطعات وحلها هندسيًّا بداية من مرحلة التصميم.
- لابد من مراعاة أن المساحات الإنتاجية ستتأثر بعوامل مثل سمك حوائط الغرف النظيفة أو أماكن توزيع مراجعات التكييف الحائطية، فلابد من أخذ ذلك في الاعتبار.
- توزيع الماكينات الإنتاجية وأماكنها من الأشياء التي يجب أن يتم الاهتمام بها من مرحلة التصميم.
- المسارات المختلفة التي يتم تنظيمها وفقًا لإصدارات قواعد التصنيع الجيد المحدثة مثل مسارات الأفراد داخل منطقة التصنيع، ومسارات المنتج (بأشكاله سواء كان مواد خام أو مواد تعبئة وتغليف أو منتج نهائي… إلخ)، ومسارات المخلفات بأنواعها، لابد أن تُراعى في مرحلة التصميم.
- الأبواب وأماكنها واتجاه فتحها، حيث يؤثر على ضغط الغرف والحركة داخل الطرق الداخلية.
- اختيار مواد التصنيع: المواد التي يتم استخدامها في أنظمة الغرف النظيفة سابقة التجهيز اليوم تنقسم إلى:
- مواد معدنية: مثل الحديد المجلفن المدهون، الألومنيوم، المعدن غير القابل للصدأ (stainless steel).
- مواد غير معدنية: مثل (HPL، GRP).
- ويجب مراعاة عند اختيار مواد نظام الغرف النظيفة أن يؤخذ في الاعتبار عوامل الحركة، الاصطدام، الخصائص الميكانيكية للمواد المستخدمة، درجات الحرارة، الرطوبة، مقاومة نظام الغرف النظيفة للحريق، عزل الصوت والحرارة، والمنظفات المستخدمة وتأثيرها على الأسطح، وخصوصًا مواد التعقيم المستخدمة لتجهيز الغرف العقيمة وتأثيرها على سطح مواد الأسطح.
كما يجب فهم أن نظام الغرف النظيفة هو نظام متكامل مكون من أجزاء كثيرة، وعليه فعلى فريق المشروع أخذ مكونات النظام بشكل كامل في الاعتبار، حيث يمكن أن يكون لأجزاء مثل الهياكل الداخلية، عوازل الهواء، أو الأجزاء الكهربائية تأثير كبير في إنشاء وتشغيل الغرف النظيفة.
ثالثًا: عند التركيب:
تركيب الغرف النظيفة يحتاج إلى فرق مدرّبة وخطوات هندسية واضحة:
الرفع المساحي للموقع: لتجهيز رسومات الواقع المنفذ بشكل دقيق.
الاهتمام بالمستوى الأفقي للأرض: التي سيتم تركيب النظام عليها، حيث إن الفروق في الارتفاعات على المستوى الأفقي إذا كانت كبيرة وغير منتظمة قد تؤدي إلى مشكلة كبيرة في الحوائط والأبواب بشكل أكبر.
تركيب الأسقف والحوائط: مع الأخذ في الاعتبار أن نظم الغرف النظيفة المعدة سابقًا هي نظام مرن، وعليه لابد أن تكون طريقة التركيب أيضًا تعكس هذه المرونة في المستقبل بحيث يمكن بشكل ما أن يتم تحريك أحد حوائط المشروع مع عدم الإضرار بالسقف.
تركيب مخارج التكييف: وهو من أهم النقاط التي قد تسبب مشكلات إذا لم يتم تركيبها بشكل صحيح، حيث إن أبعاد تقطيع فتحات المخارج وشكلها وتناسبها مع المخارج نفسها وكيفية عمل إحكام الهواء بحيث لا يحدث تسريب من خلالها إلى الغرف النظيفة. كما أن تركيب فتحات الكهرباء ومداخل المرافق الهندسية للغرف يحتاج إلى نفس القدر من الاهتمام خلال مرحلة التركيب.
الأبواب: من أكثر عناصر النظام أهمية، فهي التي تصل الغرف النظيفة بمحيطها، وهي الأكثر استخدامًا وإهلاكًا في المشروع، والأكثر تعاملًا معها من قبل فريق الإنتاج وغيره من فرق التصنيع. وعليه، فإن الاهتمام بالهيكل الحامل للباب ومفصلات الحركة وعوازل إحكام الهواء وأجهزة الغلق التلقائي أمر مهم.
تركيب الملحقات: مثل صناديق تسليم العينات أو فتحات الماكينات وأمثالها، مما قد يضع أحمالًا رأسية على الحوائط بشكل قد يحتاج إلى تدعيم.
رابعًا: اختبار الغرف النظيفة وتسليمها
مرحلة اختبار الغرف النظيفة هي المرحلة التي يتم من خلالها الحكم على الغرف النظيفة المنفذة إن كانت موافقة لمتطلبات الإصدارات العالمية والمحلية المنظمة لإجراءات التصنيع الجيد. وأشهر هذه الإصدارات هو ISO 14644، بالإضافة إلى الإصدارات الخاصة بمنظمة الصحة العالمية (WHO)، وكذلك الإصدارات المشابهة الخاصة بالاتحاد الأوروبي أو هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، وكذلك الإصدارات الخاصة بالدول أو الجهات التي يمكن أن يصدر لها مكان التصنيع منتجاته.
خامسًا: بعض الدروس المستفادة
كما كتب فيليب والس، الكاتب الأمريكي، في كتابه بعنوان “كيف تخسر معركة” عن كيفية خسارة أكبر القادة حروبًا بقرارات وأسباب كارثية، فإنه حتى لا نخسر حرب الغرف النظيفة، علينا أن نأخذ في الاعتبار بعض النقاط الهامة جدًا:
الاهتمام باختيار ما يناسب المشروع: من أنظمة ومواد متوافقة مع شكل العمل والمواد المستخدمة فيه والتكلفة الإجمالية للمشروع، حيث إن إهمال هذه النقاط قد يكلف خسارة كبيرة من حيث العائد للمشروع وكذلك استمرارية الغرف النظيفة أو انهيارها بشكل سريع.
الاهتمام بالرفع المساحي ورفع الواقع قبل المشروع: والذي يجب أن يتم من خلال فريق تنفيذ المشروع. أماكن أعمدة المبنى أو طول حائط وضع على الرسمة بشكل خاطئ قد يؤدي إلى إصابات محققة وخسائر كبيرة. تذكر أن نظام الغرف النظيفة أُعد وفُصِّل لموقع بعينه، لذا لابد من الاهتمام بهذه التفاصيل بشكل دقيق.
الاهتمام بمراجعة الرسومات المصدرة للتصنيع قبل التصنيع: والتي تظهر شكل المناظير الأمامية للحوائط أو مسقط السقف بتفصيلاتها، والتي تظهر الألواح وأرقامها والتفتيحات عليها وأماكن الأبواب والزجاج والمرفقات بشكل دقيق، مما يؤدي إلى زيادة فرص عدم اللجوء إلى إعادة الأعمال في الموقع أو هدر الأجزاء المصنعة.
وضع العلاقات مع الأنظمة المتقاطعة مع نظام الغرف النظيفة: والتنسيق مع كل فرق التنفيذ يؤدي في النهاية إلى فرص نجاح أكبر للمشروع، في حين أن إهماله قد يؤدي إلى كوارث عند التنفيذ.
أماكن ماكينات الإنتاج والعلاقات بينها وبين الحوائط والأسقف.
اختيار نوعية وشكل وتنفيذ مواد إحكام الغلق وإحكام الهواء (السيليكون): وهو جزء من الأجزاء الخطيرة التي قد تبدو بسيطة، لكن إهمالها يؤدي إلى تسريب أو تداخل أجزاء غريبة مع الغرفة أو غير ذلك. كذلك لابد من الاهتمام بطريقة تنفيذه بحيث لا يؤدي إلى تشويه الأسطح عند التنفيذ الخاطئ.
وقال الدكتور أحمد هلال أن هذه بعض النقاط، والمجال بالتأكيد مفتوح لملاحظات أكثر بكثير. لكن بالتأكيد أنظمة الغرف النظيفة الآن هي واحدة من الأنظمة المهمة والحساسة في الصناعات الدوائية وأخواتها.