د. محسن شلبي: صناعة الدواء قادرة على تخطِّى جميع التحديات.. والشركات تنتظر مُحفِّزات حكومية جديدة
الدكتور محسن شلبى رئيس مجلس إدارة شركة «نرهادو الدولية للأدوية والمستحضرات الطبية»:
يجب وضع آلية مرنة لتسعير الأدوية والمستحضرات تتماشى مع زيادة أسعار المواد الخام عالمياً
أقترح دمج هيئتى الدواء وسلامة الغذاء فى هيئة واحدة بما يضمن فاعلية وأماناً أكبر للمريض المصرى
سوق الدواء فى مصر إحدى أقوى الأسواق فى المنطقة والأكثر امتلاكاً لمعدَّلات نمو جيدة
هناك ثورة علاجية جديدة فى مجال الدواء من خلال أفلام سريعة الذوبان والامتصاص توضع على اللسان “ODF“
نتفاوض خلال الفترة الحالية مع صندوق أبو ظبى الاستثمارى للدخول فى شراكة لتصنيع وتسويق 5 أدوية في صورة أفلام سريعة الذوبان والأمتصاص “ODF“
نستهدف تحقيق حجم مبيعات بقيمة مليار جنيه العام الجارى والوصول إلى 1.5 خلال 2024
نعتزم البدء فى تنفيذ مصنع «هارد جيلاتين» كبسول فى 2024 بتكلفة استثمارية 250 مليون جنيه
كلنا ثقة بقيادات هيئة الدواء المصرية والقائمين عليها فى تحقيق الأفضل دائماً للصناعة
10 ملايين دولار مستهدفات تصديرية للشركة
يحتاج قطاع الدواء المصرى من حين لآخر إلى دراسة خطوات تطوُّره فى الماضى؛ للوقوف على أدوات حقيقية تُمكِّنه من التعامل مع معطيات المستقبل بواقعية التجارب والنجاح والإخفاق، خاصة فى ظل التحديات الحالية التى تحيط بالصناعة نتيجة الأزمة العالمية والصراع فى شرق أوروبا، وما أفرزته من تداعيات سلبية على الاستثمار والإنتاج بشكل عام، والتى تحتاج لحلول غير تقليدية وسياسات ناجزة تساعد شركات القطاع على اقتناص الفرص والارتكاز على قواعد قوية للحفاظ على مكتساباتها والتنافسية المطلوبة للتحوُّط أمام المتغيرات الدائمة التى تطرأ على المشهد الاقتصادى العالمى.
والتحديات الحالية تفرض بالضرورة التعرُّف على النماذج الناجحة التى صنعت تجربة ثرية فى حياتها العامة والعملية فى قطاع الدواء وقراءة سيرتها، ليس بغرض إلقاء الضوء وفقط، ولكن للوقوف على عمق التجربة وأسباب نجاحها والاستفادة منها، خاصة إذا كانت تجربة تمتلك أبجديات تطوير المؤسسات الباحثة عن النجاح والتفوق حتى فى أوقات الأزمات والظروف غير المناسبة.
الدكتور محسن شلبى، رئيس مجلس إدارة شركة «نرهادو» الدولية، أحد هؤلاء القيادات الذين يمتلكون تجربة عميقة فى صناعة الدواء، سطَّرها تقلُّدُه العديد من المناصب العليا فى عدد من المؤسسات الكبرى خلال سنوات حياته العملية، وحتى الآن لا يزال يحمل كثيراً من الأفكار المُحفِّزة للصناعة بقيادته شركة «نيرهادو»، إحدى الشركات التى تتمتع بحضور قوى ومؤثر فى صناعة الدواء، وتمتلك خطة طموحاً لضخ استثمارات جديدة والتوسُّع فى التصدير للسوق العالمية.
فى البداية… خبراتك الكبيرة فى القطاع الدوائى والممتدة لسنوات طويلة مُحمَّلة بالكثير من النجاحات التى تتردد فى الأوساط… كيف بدأت تلك الرحلة؟
تخرَّجت فى كلية الصيدلة منتصف الستينات من القرن الماضى، وتم تكليفى معيداً بالكلية حتى تم إنهاء تكليفى وانتدابى للعمل فى إحدى كليات الصيدلة بالسعودية، لكن ذلك لم يَدُمْ طويلاً، وبعودتى إلى مصر كانت بداية العمل فى القطاع الدوائى المصرى؛ حيث بدأت العمل مندوبَ دعاية طبية فى مكتب علمى يدير 4 شركات أدوية لكل منها مستحضر أو مستحضران فقط.
انتقلت بعدها للعمل فى شركة «هوكست» الألمانية التى كانت تمتلك مكتباً علمياً فى مصر، حتى تركتها للسفر إلى ليبيا والعمل فى شركة «بريستول مايرز»، وكانت مرحلة عمل استمرت حتى منتصف التسعينات تقلَّدتُ خلالها أعلى المناصب فى تلك الشركة فى مصر والشرق الأوسط.
وحملت التجربة كثيراً من النجاحات بالفعل على المستوى الشخصى والمؤسسى، نتيجة إيمانى بقدرة «المصرى» إذا ما كان مُسلحاً بالعلم والمعرفة بما يلزم فى تخصُّصه على تحقيق النجاحات، ليس على المستوى المحلى فقط، بل أيضاً على المستوى الدولى.
وما أبرز ملامح الفترة التى قضيتها فى شركة «بريستول مايرز» والعمل بها لنحو 27 عاماً؟
بدأت العمل فى شركة «بريستول مايرز» فى ليبيا عام 1970 مديراً للمبيعات، وكانت الشركة تحقق مبيعات فى تلك الفترة تصل لحوالى 2 مليون دولار فى منطقة الشرق الأوسط، نصيب ليبيا منها كان 50 ألف دولار، ونجحنا فى الوصول بمبيعات ليبيا إلى مليون دولار فى عام 1972، وهو أعلى رقم تحقَّق للشركة فى بلدان المنطقة.
وتسبب هذا النجاح فى ترقيتى إلى مدير للبيع للشركة فى ليبيا ومالطا، وفى عام 75 قررت العودة لمصر مجدداً فحصلت على عرض بإدارة مبيعات الشركة لمصر وليبيا ومالطا، وكانت الشركة تُحقِّق خسائر فى مصر خلال تلك الفترة.
قبل الحديث عن العودة لمصر والعمل بها مجدداً.. كيف كان شكل قطاع الدواء المصرى فى هذا التوقيت؟
صناعة الدواء المصرية كانت لا تزال فى بدايتها؛ حيث تم تأسيس أول مصنع فى مصر تقريباً عام 1939، وهى شركة مصر المملوكة للدولة، وحتى منتصف الستينات لم يكن هناك سوى مصانع قطاع الأعمال العام فقط، وكانت مصر تستورد ما يزيد على 75% من الأدوية، فى حين توفر مصانع قطاع الأعمال النسبة المتبقية، خاصة أن النظام الاقتصادى فى البلاد كان لا يزال اشتراكياً، لكن بعد الانفتاح شهدنا إقامة عدد جيد من المصانع لشركات أجنبية، تتمثل فى شركات «هوكست» الألمانية، و«سويس فارما» السويسرية، و«فايزر» الأمريكية، و«سكويب» الأمريكية، وكانت الأغلبية فى تلك الشركات مصرية وفقاً للقانون، وكنت أستهدف بعد العودة لمصر التصنيع المحلى والعمل على توطين الصناعة للاستفادة من الانفتاح الاستثمارى الكبير آنذاك.
وما الخطوات التى قمتم بها فى شركة «سكويب مايرز مصر» للتوسُّع والتصنيع المحلى؟
عندما قدمت إلى العمل مديراً للبيع فى مصر وليبيا ومالطا، لإدارة ذلك الملف من خلال مكتب مصر، اعترض مديرو المكتب على ذلك وتقدموا باستقالاتهم، فتم تعيينى مديراً عاماً للشركة فى مصر، وكانت الشركة تحقق خسائر وتُسوِّق صنفاً واحداً، فاتفقت مع شركة «سيد» على تصنيعه محلياً، وأنشأنا علاقات قوية مع شركات التوزيع آنذاك، وكانت شركة المصرية وشركة الدكتور حسام عمر، حتى استحوذنا على حصة 3% من السوق، وهى الحصة الأكبر لشركة لا تمتلك مصنعاً فى مصر.
وخلال تلك الفترة حاولنا مراراً الدخول فى شراكات مع شركات مصرية لإنشاء مصنع للأدوية؛ حيث تفاوضنا مع الدكتور ثروت حجر الذى كان يدرس إنشاء مصنع، وأيضاً مع الدكتور زكريا جاد، إضافة إلى مفاوضات أخرى مع الدكتور حسن عباس ذكى مؤسس شركة فاركو، وأيضاً الدكتور الشبراويشى الذى كان يمتلك مصنعاً لمستحضرات التجميل، لكنها لم تُكلَّل بالنجاح، وأوقفنا تلك المفاوضات باندماج شركة «بريستول مايرز» مع «سكويب» التى كانت تمتلك مصنعاً فى الهرم، وأصبحت الشركة «بريستول مايرز سكويب»، وذلك عام 1988.
وهل بالاستحواذ على شركة «سكويب» تغيَّرت استراتيجية الشركة فى مصر؟
قبل عملية الاندماج بأربع سنوات تم اختيارى مديراً عاماً لشركة «مايرز سكويب» فى الشركة الأوسط؛ حيث انتقلت إلى بروكسل لتولى هذا المنصب؛ فقد كانت الشركة تُحتِّم أن يكون كل مديرى المناطق فى دولة واحدة ومبنى واحد، وبعد عملية الدمج تم اختيارى مديراً للكيان الجديد فى منطقة الشرق الأوسط، لكننى أقنعت الإدارة بضرورة نقل المكتب الإقليمى للشركة فى المنطقة إلى مصر، وهو ما حدث فعلياً.
خلال تلك الفترة حققنا نجاحات كبيرة جداً، انعكست على مبيعات الشركة وحصتها السوقية، لنتصدر مبيعات السوق المصرية عام 1992، بحصة سوقية تصل إلى 10.5%، فى حين كانت «فايزر» فى المركز الثانى بحصة سوقية 5% فقط، وأصبحت الشركة الكيان رقم 1 فى الشرق الأوسط، ثم تركت الشركة عام 96 بعد الوصول إلى سن 55 عاماً.
فى ظل تلك النجاحات التى حققتها الشركة فى مصر.. ما الأسباب التى دفعتها للتخارج؟
الأسباب غير معلومة على الإطلاق بالنسبة للعاملين فى مصر، لكن الشركات العالمية يكون لها توجُّهات مختلفة ومتغايرة طوال الوقت، وتضع استراتيجيات للبلدان والمناطق التى تعمل بها، لكننى أؤكد أن قيمة الشركة فى مصر خلال تلك الفترة كانت الأعلى بين البلدان التى تعمل بها فى الشرق الأوسط.
بقوة تجربتك العملية وخبراتك الطويلة، ما أبرز التحديات التى تواجه سوق الدواء المصرية حالياً، وأبرز الحلول المقترحة لمواجهتها؟
سوق الدواء المصرية إحدى أقوى الأسواق فى المنطقة، والأكثر امتلاكاً لمُعدَّلات نمو جيدة رغم التحديات، لكن يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات المشجِّعة لسُبُل الاستثمار، يتمثل أبرزها فى ضرورة وضع آلية مَرِنة للتسعير تتماشى مع زيادة أسعار المواد الخام عالمياً، وتحريك أسعار الدولار داخلياً، بما يضمن استمرار نمو الشركات وتوفير أدوية آمنة وفعَّالة للمريض والمواطن المصرى والتصدير للخارج.
كما يجب أن يتم تقليل أوقات تسعير الأدوية؛ حيث يكون الحد الأقصى للتسجيل 12 شهراً فقط، وهو ما يُسْهِم فى توسُّع الشركات وجذب الاستثمار للسوق، وكلنا ثقة بقيادات هيئة الدواء المصرية والقائمين عليها فى تحقيق الأفضل دائماً.
وفى النهاية يجب دمج هيئتى الدواء وسلامة الغذاء فى هيئة واحدة تحت اسم «هيئة الدواء والغذاء»، كما هو معمول به على مستوى العالم، وهو ما يضمن فاعلية وأماناً أكبر للمريض المصرى.
ومتى جاءت فكرة إنشاء شركة «نرهادو»؟ ولماذا تم اختيار هذا الاسم؟
بعد تركى شركة «بريستول مايرز سكويب» فى مصر بدأت فى تأسيس شركة «نرهادو»، ووضعت فيها كل مدخراتى، وتم تسميتها بهذا الاسم عبر استخدام المقاطع الثلاثة الأولى من أسماء أبنائى، وذلك عام 1996، وكانت هى المرة الأولى التى أقوم فيها بإعداد سيرة ذاتية من أجل التواصل مع شركات عالمية للحصول على وكالات لها أو الحصول على مستحضراتها وتسويقها فى مصر.
وأهم ما يُميِّز منتجاتنا من المكمِّلات الغذائية هو احتواؤها على معادن، مثل: «الزنك، والمغنيسيوم، والحديد، والسيلينيوم»، وتكون مُحمَّلة بأحماض أمينية لزيادة امتصاصها وتقليل الآثار الجانبية من أجل راحة الجهاز الهضمى، بما مكَّننا من الحصول على حصة سوقية مميزة والتصدير للخارج.
ولماذا لم تنشئوا مصنعاً منذ اليوم الأول لتأسيس الشركة؟
نظرياتى فى العمل ألا أنشئ مصنعاً من اليوم الأول لتأسيس الشركة، لكن يأتى إنشاء المصنع عندما نصل بعدد مستحضرات تستوعب استثمارات المصنع، وهو ما تحقق فى عام 2016، حيث أنشأنا مصنعاً على مساحة 15000 متر مربع، يتوافق مع معايير ممارسات التصنيع الجيدة (GMP) المصممة وفقاً لمعايير هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا (EMEA)، وتم تزويد المصنع بخط إنتاج ألمانى يعمل بشكل أتوماتيكى بالكامل بأعلى قدرة إنتاجية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بطاقة إنتاجية (430 مليون كبسولة فى السنة).
ما حجم مبيعات الشركة ومستهدفاتها الفترة المقبلة؟
نستهدف تحقيق حجم مبيعات بقيمة مليار جنيه خلال العام الجارى، ومن المتوقع أن تتراوح بين 1.5 و2 مليار خلال عام 2024 مدعومة بتوسُّع الشركة فى طرح العديد من المستحضرات غير التقليدية التى تُلبِّى احتياجات السوق والمريض المصرى.
وما أبرز المستحضرات التى تعملون على طرحها وتسويقها لتحقيق هذا النمو فى البيع؟
هناك ثورة علاجية جديدة فى مجال الدواء من خلال أفلام سريعة الذوبان والامتصاص تُوضع على اللسان ويتم امتصاصها من خلال الشعيرات الدموية لتسير سريعاً فى الدم، وتكون المادة الفعَّالة أكثر فاعلية وأسرع تأثيراً من الحبوب والكبسولات، وسجَّلنا منها بشكل حصرى 35 مستحضراً، يتواجد فى السوق منها الآن 21 مستحضراً، ومن المتوقع طرح باقى المستحضرات خلال العامين المقبلين، أبرزها أدوية للضغط والقلب وفيتامين (ب 12)، وسنقوم خلال الفترة المقبلة بإجراء أبحاث على تلك الأدوية مع كليات الصيدلة بنحو 10 جامعات مصرية.
تمتلكون مصنعاً وفقاً لأعلى المعايير العالمية.. هل أسهم ذلك فى زيادة صادراتكم؟
صادرات الشركة تصل إلى 2.2 مليون دولار، لكن معظمها من المستحضرات التى تتخذ أشكالاً علاجية تقليدية، ومع بدء تسويق مستحضرات الأفلام سريعة الذوبان نستهدف الوصول بحجم الصادرات إلى 10 ملايين دولار؛ حيث نُصدِّر منتجاتنا إلى معظم بلاد الشرق الأوسط وأفريقيا وشرق آسيا، ونحن أول شركة دواء مصرية تطابق احتياجات هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) وتُصدِّر إنتاجها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كما أننا الشركة المصرية الوحيدة التى شاركت فى مؤتمر موسكو العالمى لزيادة حجم التبادل التجارى المصرى – الروسى فى قطاع الدواء.
وما خططكم لزيادة الصادرات الفترة المقبلة خاصة لأدوية ODF المبتكرة؟
نتفاوض خلال الفترة الحالية مع صندوق أبو ظبى الاستثمارى للدخول فى شراكة لتصنيع وتسويق 5 أدوية ODF، على أن نمنحهم طريقة التصنيع والماكينات، ونحصل مقابل ذلك على 50% من الأرباح و5% إضافية، على أن تشهد الفترة الأولى من التعاقد إرسال المستحضر نهائى وتغليفه هناك، ثم إنشاء المصنع.
وماذا عن استثمارات الشركة خلال الفترة المقبلة؟
نستهدف إنشاء مصنع «هارد جيلاتين كبسول»؛ حيث تستورد مصر سنوياً نحو 5 مليارات كبسولة، ونمتلك عرض تمويل من بنك الإسكندرية، ومن المقرر أن نبدأ فى تنفيذه فى 2024؛ حيث تصل التكلفة الاستثمارية إلى 250 مليون جنيه، وسيكون بجوار مصنعنا الحالى.
ومن المتوقع أن يوفر المصنع الجديد لشركة «نرهادو» 166 مليون جنيه فى الفترة من 2025 إلى 2028، كما ستبيع الشركة كبسولات بقيمة 253 مليون جنيه.
وسوف يُسْهِم فى زيادة توسُّعاتنا استثمار تحالف «أفيرما كابيتال» و«ستون باين إيس بارتنرز المحدودة» معنا بمبلغ قيمته 20 مليون دولار أمريكى مقابل حصة أقلية، من أجل توسيع العمليات القائمة للشركة، وتسريع إطلاق الكثير من منتجات الأدوية المبتكرة قيد التطوير فى كل من الأسواق المصرية والإقليمية.