د. صلاح سلام يكتب.. على «هامش دفتر كورونا»
لم يكن لأنسان مهما قدح زناد فكره ان يتخيل ما نحن فيه، وان تنقلب الموازين وان يأتي هذا الهاتف من السماء ليخفض ويرفع ويعز ويذل لتتبدل الأحوال ويصبح الصعب سهلا والممكن مستحيلا وترفع الاكف للسماء والى رب الأديان كلها تتوسل إليه ان يرفع هذه الغمة التي تحصد الأرواح «فيروس كورونا»
ولكن مما لا شك فيه أن الدول كل الدول سوف تعيد حساباتها فلم يعد القوي بالصرعة ولكن بالعلم والبحث العلمي وجاء للطب وقته ليتصدر المشهد وأصبحت الحاجة للأطباء هي المطلب الأول ليكتشف العالم ان هناك عجز قدره مليون طبيب حول العالم وان هذه عملة نادرة.
كما ان الصيدلة مهنة العلماء وليس البيع والشراء والاحتكار احيانا وإنما هي العودة للمعامل وكليات العلوم ومعاملها التي علاها الغبار أهم ألف مرة من ملاعب الكرة أو من الحفلات الماجنة.
لابد وأن يعود الحق إلى نصابه وتكون ميزانية البحث العلمي والصحة لا تقل عن ميزانية الدفاع او الأمن.
نعم نحن في حاجة إلى جيش قوي رادع وأمن صلب، ولكننا أيضا نريد مواطن واعي وطفل نشأ على تعليم راقي وليس هش والابتعاد عن حشو المناهج والحفظ والامتحان مما جعلنا في ذيل الأمم.
نريد تعليم يُعلم الطفل كيف يُفكر وكيف يُبدع لينطلق إلى آفاق المعرفة فيستطيع الابتكار، فالتعليم الكمي الذي يعتمد على إعطاء شهادات لم يعد يجدي وليس لنا به حاجة، لنعود إلى التعليم الفني لبناء المهارات والتعليم التقني وليس النظري الذي يخرج ملايين الشباب الذين لا يجدون الا المقاهي والتي لم تتسع لهم فتوسعنا في استثمار الكافيهات لتستوعب الطاقات المعطلة باسم الشهادات الزائفة.
الأطباء زهرة الوطن يرحلون وتقتطفهم دول الغرب والشرق بعد أن تتكبد الدولة المليارات في التعليم ثم تتركهم فريسة للبيروقراطية والقوانين البالية وتعطيهم دراهم معدودة وتحاسبهم بقانون العقوبات على الأخطاء المهنية بنظام ليس له مثيل في العالم وترقيهم اداريا كأنهم كتبة في مصلحة او الارشيف.
كيف يستقيم ذلك الامر والتقدم العلمي والطب المنشود؟ ونرى الدول من حولنا والتي استعارت طاقاتنا في العلوم المختلفة كيف تقدمت فسبقتنا؟.
هنا لابد لنا من وقفة مع النفس فلن نبكي على الزمن المسكوب ونتغنى فقط بحضارة الاجداد يجب بل لابد من مضاعفة ميزانية الصحة فورا في الموازنة القادمة حتى يتسنى تطبيق نظام تأمين صحي حقيقي وبأسرع وقت وإعطاء البحث العلمي شيكا مفتوحا وصياغة قانون التجارب السريرية عن طريق لجنة علمية وليس مشروع القانون الذي كاد يمر في مجلس النواب
لولا انا استجرنا برئيس الجمهورية، لأن هذا القانون يقتل ما تبقى من ابداع بهواجس وهمية مثل قانون ٧٠ لسنة ٢٠١٧ المعيب الخاص بالجمعيات الأهلية الذي مر بليل، وتوقف عمل المؤسسات الأهلية بمخاوف مفرطة في التشاؤم ولولا تدخل الرئيس لما تم الغاؤه.
الخلاصة اننا نريد أن نغير طريقة تفكيرنا و تناولنا للأمور بموضوعية في إطار واقع فرضته ظروف كورونية لها توابع ومضاعفات على كل مفاصل الدول سواء فيما بينها او داخل مؤسساتها.
الاستاذ الدكتور صلاح سلام
الأستاذ الزائر بكلية الطب جامعة عين شمس، ورئيس لجنة الصحة بالمجلس القومي لحقوق الانسان