أثار القانون المقدَّم من وزارة الصحة، الذى وافقت عليه لجنة الصحة فى مجلس النواب، ردود فعل كثيرة فى قطاع العاملين بالبحث العلمى وأساتذة الجامعات، وشارك فى المناقشة الأستاذ الدكتور محمد أبوالغار، أستاذ أمراض النساء يجامعة القاهرة، والأستاذ الدكتور الكبير محمد غنيم أستاذ جراحة الكلى بجامعة المنصورة، والأستاذ الدكتور المتميز مجدى يعقوب باعتباره أحد كبار العاملين فى البحث العلمى السريرى، وعدد من أساتذة قصر العينى، ودارت مناقشات حول القضايا التالية:
مَن المسئول عن هذا القانون وتنفيذ بنوده، خصوصاً إعطاء التصريح والتحويل إلى جهات التحقيق، لتوقيع العقوبات الصارخة التى تصل إلى عقوبات مالية تبلغ مليون جنيه أو السجن المشدد؟ هلى هى وزارة الصحة أم وزارة البحث العلمى والتعليم العالى؟
وما دخل الجهات الدينية فى موضوع البحث حيث تنص قوانين الدولة على عدم المشاركة فى أبحاث تتعارض مع القيم الدينية؟ وما قضية الأمن القومى، حيث يمنع إرسال «عينات» من المصريين للخارج وهناك أكثر من عشرة ملايين مصرى يعملون فى الخارج؟ وهذا موضوع فى حاجة إلى مزيد من التفاصيل.
ما هو الادعاء باستخدام المرضى المصريين «فئران تجارب»؟ وهو لفظ مسىء جداً ولا معنى له ولا يعبِّر عن أى حقيقة، لقد ادعى أحد المحترمين فى مجلس النواب أن شركات الدواء الاستثمارية بعد أن تُجرب الأدوية الجديدة على المرضى المصريين تقوم بتجربتها على فئران التجارب بعد ذلك، وهى مقولة تدعو للسخرية والجهل الشديد.
هل هناك ضرورة لتجربة الأدوية الجديدة على الإنسان؟ وهل هناك ضرورة لتجربة الدواء على عدد من البلاد تشمل البلاد المتقدمة والبلاد النامية والبلاد التى تعيش تحت ظروف اقتصادية واجتماعية ومناخية مختلفة؟
هل يمكن لدواء جديد يُطرح دون تجربته على الإنسان ودراسة آثاره الجانبية، فضلاً عن دراسة ديناميكية هذا الدواء الحيوية من ناحية الامتصاص والنسبة فى الدم، وفترة العمل وطريقة الجسم فى التخلص من الدواء عن طريق البول أو الكبد أو الجهاز الهضمى؟ والمتابع لنشرات الأدوية باللغتين العربية والإنجليزية وكافة اللغات المختلفة يجد بيانات طويلة وعدداً من الآثار الجانبية التى تخيف المرضى فى بعض الأحيان، وبالتالى يرفضون تعاطى الدواء.
السبب هو اشتراط جهات تسجيل الأدوية فى العالم كتابة كل البيانات العلمية والإكلينيكية حول الدواء الجديد أو القديم، ونحن فى مصر لا نسجل الأدوية الجديدة إلا إذا كانت مسجلة فى بلد المنشأ، وعلى الأقل فى أحد البلاد التى بها أجهزة رقابية ذات كفاءة علمية وخلقية محترمة مثل FDA الأمريكية، ولجنة الدواء فى إنجلترا وفى السويد،
ووزارة الصحة فى مصر، وهى صاحبة السلطة النهائية فى تسجيل الدواء، لهذا استفدنا بالشروط الضرورية، ومن بينها نتائج التجارب على الإنسان، وخلوه من المضاعفات الشديدة التى تجعل مضار استخدام الدواء أكثر من فائدته، وضرورة أن يكون الدواء مسجلاً فى أحد البلاد ذات المصداقية المؤكدة، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة (إنجلترا) والسويد، ومع ذلك على الوزارة أن تتأكد من مميزات الدواء الجديد بالنسبة للأدوية الحالية المستخدمة، يكون الفرق الشديد فى تكلفة الدواء الجديد الذى أسعاره تفوق إمكانيات المواطن ذى المستوى المادى المتواضع،
وكذلك تكلفة العلاج بالنسبة للتأمين الصحى الشامل الذى من المفروض أن يغطى جميع أنحاء الجمهورية فى 15 عاماً، وتتحمل الدولة بالكامل تكاليف الأمراض المزمنة، وتكاليف علاج أصحاب الدخل المتواضع، ويجب أن تكون تكلفة الدواء تتناسب مع الفائدة المرجوة منه، وبالمقارنة بالأدوية المتوافرة حالياً وبأسعار معقولة؛ ما يسمى فى الاقتصاد (التكلفة مقابل الفائدة).
شركات الدواء العالمية التى تجمعت فى كثير من الأحيان فى شركات متعددة الجنسيات، مع إمكانيات مادية ضخمة، هى المصدر الوحيد للأدوية الجديدة، خصوصاً فى المجالات التى عجزت الأدوية المتوافرة حالياً عن إيجاد حل شامل لعلاجها، مثل الأورام، وأدوية المناعة وأدوية تدهور وظائف المخ، وضمور العضلات،
وغير ذلك تدَّعى الشركات أن تكلفة الدواء الجديد قد تصل إلى مليار دولار قبل تقديمه للتسجيل فى الجهات الرقابية، ولابد من أجل ذلك أن يمر الدواء بمراحل كثيرة، منها خلق المادة ثم تجربتها ضمن مواد أخرى، لبيان إمكانية وحيوية تأثير الدواء العلاجى، وتبدأ التجارب على الحيوانات الصغيرة، مثل الفئران أو الأرانب، ثم الحيوانات المتوسطة مثل الكلاب، ثم الحيوانات الكبيرة مثل الخنازير والعجول، وفى بعض الأحيان على القرود،
ولقد شاهدت فى زيارتى لبعض هذه المراكز فى بعض شركات الأدوية إمكانيات ضخمة وأعداداً كبيرة من الباحثين، ومن غير المعقول أن تضحى هذه الشركات بهذه المبالغ دون أن تستكمل الجزء المهم، وهو التجارب على الإنسان، كما أنه من غير المعقول أن تُترك هذه الشركات لاستغلال البشر دون ضوابط تحفظ حقوق جميع الأطراف، وأهمهم البشر محور التجارب،
ولقد قامت الهيئات الدولية المختصة بحقوق الإنسان وآداب المهنة بإصدار مواثيق دولية، مثل ميثاق هلسنكى للجمعية الطبية العالمية، وأخذت عنها جميع الدول المتقدمة، بما فيها مصر، ولقد قمت بصياغة الفصل الأخير من لائحة آداب المهنة فى أوائل التسعينات من القرن الماضى، أثناء رئاستى لنقابة الأطباء،
باعتبار أن محاسبة الأطباء على حدوث تجاوزات تبدأ بالمحاسبة النقابية فى لجنة آداب المهنة، والتى يُقسِم الأطباء على قَسَم الأطباء المعتمد، وتُسلم نسخة من آداب المهنة، حيث لا يجوز إعطاء الطبيب رخصة الممارسة دون أن يقسم عليه، والذى يقول فى أهم فقرة فيه: «وأن أثابر على طلب العلم، أسخِّره لنفع الإنسان لا لإيذائه».
قد يسأل سائل: لماذا تحتاج شركات الدواء لتجربة أدويتها فى بلادنا إذا كان هذا ممكناً ومطلوباً فى بلادها؟
وللرد على هذا السؤال أذكر ما حدث بالنسبة لعلاج فيروس «سى»، هذا المشروع الهائل الذى تبنَّاه رئيس الجمهورية، وأنفق عليه من ميزانية الدولة ومن تبرعات المصريين فى صندوق «تحيا مصر»، إن نوع فيروس «سى» المتوافر فى مصر مختلف عن بلاد كثيرة، لأنه يوجد أربعة أنواع، بعضها يتأثر بالدواء، وبعضها لا يتأثر بالدواء بنفس الدرجة، ولا بد من الاطمئنان إلى أن هذا الدواء سيناسب المرضى المصريين، هذا يجوز فى أمراض كثيرة، من ضمنها ضغط الدم، الذى يؤثر بالإيجاب فى بعض المرضى من أصول بيضاء، ومختلف عن أصول ملونة، وكذلك تركيبة الشركات، وأن تقوم بحملة إعلانية للتعريف بالدواء مع الأطباء فى مختلف البلاد.
قبل أن أنهى هذه المداخلة أقرر:
أن النقابة (الأطباء) هى اللاعب الأول فى هذا الموضوع، وهى السابقة بين جميع الهيئات التى أثارت هذا الموضوع، وكان يجب أن يمر القانون عن طريق النقابة أولاً، والمطلع على لائحة آداب المهنة لا يمكن أن يضيف جديداً من متطلبات الأمن والسلامة للمواطنين.
وزارة الصحة هى صاحبة الرأى الأخير فى تسجيل الدواء، والتفاوض مع شركات الدواء على التسعير وإعطاء مصر فرصاً معقولة لاستخدام الدواء المكلف، مثل ما حدث فى علاج فيروس «سى».
وزارة الصحة نشكرها على الاهتمام بهذا الموضوع، ولكن نأخذ عليها الاستعجال دون أخذ رأى أصحاب القضية، والقائمين بالأبحاث ومحاسبة الأطباء المخطئين أمام النقابة.
هناك إصرار من وزارة الصحة على إنشاء مجلس أعلى لهذا الموضوع يتبع رئيس الوزراء، المرهق بالأعباء، وباشتراك الهيئات الدينية غير المختصة، خصوصاً أننا فى النقابة نصر على عدم الموافقة على أى إنجاز أو أدوية أو إجراءات تخرج عن مفاهيمنا الدينية والأخلاقية، ولقد اتفقنا مع كليات الطب والمعاهد التعليمية التى تتم فيها أبحاث سريرية على الأدوية،
على إنشاء لجنة لأخلاقيات المهنة تختص فى كل موقع بالموافقة على هذه الأبحاث والتدخل لإنهائها عند حدوث مضاعفات غير مقبولة من استعمال الدواء، ولها الحق فى الإحالة إلى هيئة التأديب فى النقابة أو المحاكمة التأديبية وهذا يقلل العبء على هذه اللجنة القومية المقترحة التى قد يصل ما يعرض عليها سنوياً إلى آلاف من هذه الأبحاث، ويصبح ذلك عقبة أمام البحث العلمى.
أريد أن أقرر أنه على مدى رئاستى للنقابة وهى 26 عاماً، وعضوية النقابة كرئيس للجنة آداب المهنة سبع سنوات، ورئاسة لجنة الصحة فى مجلس الشعب أكثر من خمسة وعشرين عاماً، لم ترد لنا شكوى واحدة من مواطن بأنه تم استغلاله أو تعرضه لمضاعفات من جراء تجربة دواء.
وأريد أن أقرر أيضاً أنى أضفت التعديل الذى اقترحته الجمعية الطبية العالمية الذى يلزم شركات الدواء صاحبة الدواء الجديد والذى قد تصل الحقنة فيه إلى 2000 – 10000 جنيه أو علبة الدواء إلى 5000 جنيه، بتوفير الدواء بالمجان لاستكمال برنامج العلاج إذا تبين أن العلاج يؤدى إلى تحسن الحالة، وهذا مكسب كبير للمرضى غير القادرين وللدول صاحبة الدخل المتواضع.