بدأت اليوم الاثنين محاكمة توصف بالتاريخية في فرنسا، بعد واحدة من أكبر فضائح الرعاية الصحية، حيث تسببت حبوب لإنقاص الوزن في وفاة ما يصل إلى ألفي شخص، فضلا عن أضرار صحية لا يمكن علاجها للآلاف.
والقضية المنظورة أمام المحكمة، التي تنطوي على اتهام بالقتل الخطأ والاحتيال، ترفع الغطاء عن صناعة الأدوية الضخمة في فرنسا، بحسب صحيفة جارديان البريطانية.
وتواجه شركة «سرفييه»، أحد أقوى وأكبر المختبرات الخاصة في فرنسا، تهما بالتستر على الآثار الجانبية القاتلة لعقار موصوف على نطاق واسع يسمى«ميدياتور».
وتقول الهيئة المنظمة للأدوية في فرنسا إن المختبر «تساهل وفشل في التصرف لمنع الوفيات والإصابات الناجمة عن العقار».
وكان دواء «ميدياتور» أحد مشتقات الأمفيتامين التي تم تسويقها لمرضى السكري الذين يعانون زيادة الوزن، لكنها كانت توصف في كثير من الأحيان للنساء الأصحاء كمثبط للشهية إذا أردن خسارة بضعة كيلوغرامات، حتى إن النحيفات والرياضيات كن يتناولنها لتجنب زيادة الوزن.
آثار مميتة
وجرى بيع العقار إلى نحو 5 ملايين شخص بين عامي 1976 و2009، رغم حقيقة أنه كان يشتبه في التسبب في قصور القلب الرئوي.
وكشفت وزارة الصحة أن 500 شخص على الأقل لقوا حتفهم بسبب مشكلة في صمام القلب في فرنسا بسبب التعرض للمكون النشط لميدياتور، لكن تقديرات أخرى من قبل الأطباء قدرت الرقم بأكثر من ألفين، فيما يعيش الآلاف من الأشخاص حاليا بمشكلات صحية دائمة بسبب هذه الحبوب.
ووجدت بعض النساء، اللائي بدأن تعاطي الدواء، أنهن غير قادرات على صعود السلالم، كما تعرضت أخريات لمشاكل قلبية دائمة تؤثر من حياتهن اليومية بشكل مزمن.
ودفعت شركة «سرفييه» حوالي 132 مليون يورو (116 مليون جنيه إسترليني) تعويضات لضحايا الدواء أو ذويهم.
وستسعى المحاكمة إلى تحديد سبب استمرار العقار في السوق لفترة طويلة في فرنسا، ويقول المدعون إن مختبر “سرفييه” ضلل المرضى عمدا لعقود من الزمن، فيما جنت الشركة ما لا يقل عن مليار يورو من الدواء.
وأثيرت الفضيحة في عام 2007 عندما قيم أرين فراشون، أخصائي الرئة في مستشفى بريتاني، سجلات المرضى، وحذر من وجود صلة بين «ميدياتور» وأضرار خطيرة في القلب والرئة.
ونقلت “جارديان” عن فراشون قوله: «نشعر بارتياح تجاه هذه المحكمة. وسنرى نهاية فضيحة لا تطاق»، واصفا الدواء المزعوم بأنه »سم».
ولم يجر سحب الدواء من السوق في فرنسا حتى عام 2009، أي بعد عامين من دق فراشون ناقوس الخطر وسنوات عديدة أخرى بعد سحبه في إسبانيا وإيطاليا.
ولم يتم التصريح بالدواء مطلقا في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة.
محكمة تاريخية
وفي لائحة الاتهام الفرنسية المؤلفة من 677 صفحة، كتب القضاة أن معمل «سيرفييه» أخفى «عن عمد» الخصائص الحقيقية للدواء من سبعينيات القرن الماضي، و”ارتكب عملية احتيال طويلة الأجل”.
واشتعلت الفضيحة لأكثر من عقد من الزمان، مما أثار جدلا سياسيا حول تنظيم الأدوية ونفوذ لوبيات شركات العقاقير في فرنسا، التي تعد الأكبر في أوروبا.
وستستغرق المحاكمة التي تشمل 21 مدعى عليهم وأكثر من 2600 مدعي، نحو 6 أشهر، وستكون واحدة من أطول القضايا في باريس لعقود.
وتشبه هذه المحاكمة في إطارها الزمني محاكمة رئيس الشرطة السابق موريس بابون عام 1997، الذي أدين لدوره في إرسال 1700 يهودي إلى معسكرات الموت النازية بين عامي 1942 و1944.
وقالت “سيرفييه” إنها لم تكذب بشأن آثار العلاج، وتأمل أن تثبت أنها لم تتعارض مع مصالح المرضى.