سوق الدواء
كل ما تريد معرفته عن سوق الدواء

السويد أول دولة «خالية من الدخان».. تجربة رائدة تستحق التكرار

في شمال أوروبا، وتحديداً في الجزء الشرقي من شبه جزيرة إسكندنافيا، غربي بحر البلطيق، تقع دولة السويد، ذات الكثافة السكانية المنخفضة، والمساحات الشاسعة من المياه والغابات الخضراء التي تراها بوضوح من نافذة الطائرة قرب وصولك لأراضيها.

وبمجرد أن تطأ قدميك العاصمة السويدية ستوكهولم، تجد في انتظارك روعة العمارة التي تتنوع بين الطراز القوطي والبناء الحديث، بجانب كثرة التماثيل في الشوارع والميادين في تخطيط عمراني بديع.

كما تعد السويد نموذجاً رائداً في مكافحة التدخين، كونها أول دولة خالية من الدخان “معدلات التدخين تصل إلى 5% من السكان”. ويعود هذا النجاح إلى استراتيجية ترتكز على مبدأ “الحد من المخاطر”، من خلال توفير بدائل أقل خطورة من السجائر، مثل “السنوس” وأكياس النيكوتين.

حيث وضعت السويد تشريعات صارمة لمكافحة التبغ والنيكوتين، تهدف إلى حماية الصحة العامة وتقليل معدلات التدخين. وقد ساهمت هذه القوانين بشكل كبير في وصولها إلى هدفها الطموح بأن تصبح دولة خالية من التدخين.

وحظرت السويد التدخين داخل الأماكن المغلقة. وقد تم توسيع هذا الحظر بشكل كبير في عام 2019 ليشمل مجموعة واسعة من الأماكن العامة، مما يعكس التزام السويد بخلق بيئة خالية من الدخان للجميع.

أحد مراكز توزيع شركة سويس ماتش في ستكهولم
أحد مراكز توزيع شركة سويدش ماتش في ستكهولم

المنتجات البديلة الخالية من الدخان كان لها بالغ الأثر في تحقيق أهداف السويد، ومن بين هذه المنتجات الأكثر انتشاراً هناك، “السنوس” وهو منتج تبغ تراثي عبارة عن كيس من التبغ يشبه حبة “العلكة” توضع أسفل “الشفة العليا” وتمنح مستخدميها النيكوتين اللازم واليوم أكياس النيكوتين الحديثة تقدم النيكوتين ذاته ولكن بدون التبغ.

تقول سيرينا وهي فتاة “لبنانية سويدية” تتحدث العربية بشكل جيد وتعيش بالقرب من العاصمة ستوكهولم، أن بدايتها مع التدخين كانت من خلال السجائر التقليدية لكن منذ فترة تحولت إلى “أكياس النيكوتين” خاصة وأنها أقل خطورة بشكل كبير عن السجائر التقليدية.

“لم أجد اختلافا بين ما يحدثه أكياس النيكوتين والسجائر التقليدية، كما يمكن استخدام السنوس أو أكياس النيكوتين في المنزل دون معاناة التدخين السلبي، “هكذا عبرت سيرينا”، وهو ما يعزز فرص انتشاره خاصة وأن الأطباء والصحة السويدية يؤكدون أن “السنوس” وأكياس النيكوتين يقللان مخاطر التدخين التقليدي.

تطور “السنوس” في السويد

يمتلك “السنوس”، تاريخاً طويلاً في السويد يمتد لنحو 200 عاما. وفي بداياته، كان “السنوس” عبارة عن “تبغ سائب”، يصنع من نبات التبغ ويتم وضعه تحت الشفة العليا. وكان يتم بيعه في عبوات ورقية بسيطة.

وشهد القرن التاسع عشر تطوراً كبيراً في صناعة السنوس، خاصة مع تزايد الوعي بالمخاطر الصحية للتدخين، شهد السنوس انتشاراً أوسع في سبعينيات القرن الماضي. وظهرت عبوات “السنوس” التي تحتوي على أكياس تشبه “أكياس الشاي” معبئة بالسنوس بأحجام مختلفة، مما يجعله أكثر نظافة وسهولة في الاستخدام.

دور السنوس وأكياس النيكوتين في الحد من المخاطر

تكمن أهمية “السنوس” في استراتيجية “الحد من المخاطر” في كونه بديلاً أقل خطورة بكثير من السجائر. على العكس من السجائر التي تحرق التبغ وتنتج الدخان الذي يحتوي على الآلاف من المواد الكيميائية الخطرة، فإن السنوس لا ينتج دخاناً، مما يقلل بشكل كبير من مخاطر الأمراض المرتبطة بالتدخين، مثل سرطان الرئة وأمراض القلب.

وقد لعب السنوس دوراً حاسماً في خفض معدلات التدخين في السويد على مدى عقود، حيث تحول العديد من المدخنين إلى استخدام السنوس كبديل. وأظهرت الأبحاث أن هذه العادة ساهمت في خفض معدلات الوفيات المرتبطة بالتبغ بشكل ملحوظ في السويد مقارنة ببقية دول الاتحاد الأوروبي.

يقول الدكتور أندرس ميلتون، رئيس الجمعية الطبية السويدية سابقا، أن التدخين التقليدي يمثل أحد أهم أسباب الإصابة بالعديد من السرطانات، وأبرزها سرطان الرئة، لكن السنوس لا يسبب ذلك بل يمنح الجسم النيكوتين المطلوب دون خطورة ملحوظة.

وأضاف الدكتور أندرس، أن “السنوس” ساهم في تعزيز الصحة العامة في السويد، ويوجد العديد من الأبحاث العلمية التي أكدت أنه أقل خطورة.

وبجانب “السنوس” ظهر في السنوات الأخيرة، ابتكاراً جديداً لعب دوراً رئيسياً في تسريع رحلة السويد نحو مجتمع خالٍ من الدخان وهي “أكياس النيكوتين” الخالية من التبغ، وتحتوي فقط على النيكوتين والألياف النباتية والمنكهات. حيث يتم وضعها تحت الشفة العليا تماماً مثل السنوس، ولكنها لا تحتوي على التبغ، مما يجعلها خياراً أفضل.

وقد أظهرت دراسات حديثة أن أكياس النيكوتين كانت بمثابة ابتكار “غير قواعد اللعبة”، خاصة لدى النساء، اللاتي يتركن التدخين الآن بشكل أسرع وأكثر نجاحاً من أي وقت مضى. وقد صنفت النساء في السويد أكياس النيكوتين على أنها الطريقة الأكثر فعالية للإقلاع عن التدخين، متفوقة على باقي المنتجات.

استطردت سيرينا قائلة: “العديد من أصدقائها استخدمن منتجات مختلفة للإقلاع عن تدخين السجائر التقليدية لكنهم في النهاية فضلوا “أكياس النيكوتين”، باعتبارها منتج أقل خطورة حيث لا يحتوي على التبغ، ويمنح الجسم النيكوتين المطلوب”.

وأشادت سيرينا بالسياسة الضريبية التي تتخذها حكومة السويد في التعامل مع منتجات التبغ المختلفة، لافتة أن شهر نوفمبر المقبل سوف تزداد الضرائب مرة أخرى على السجائر التقليدية، بينما يتم منح ميزات ضريبية “للسنوس وأكياس النيكوتين” باعتبارها منتجات أقل خطورة، وهو ما ساهم في انتشار هذه المنتجات بشكل كبير.

وفي سياق متصل، قال صموئيل لونديل رئيس جمعية مستخدمي السنوس، أن عدد مستخدمي السنوس في السويد يتراوح بين مليون و1.5 مليون شخص، 40% منهم كانوا مدخنين في السابق، مؤكداً أن السنوس يساعد على الإقلاع التام عن التدخين.

وتجدر الإشارة إلى أن استراتيجية “الحد من المخاطر”، إلى جانب الضرائب النسبية التي تجعل المنتجات الخالية من الدخان أقل تكلفة من السجائر التقليدية، أدت إلى تمكين المستهلكين السويديين من اتخاذ خيارات أكثر صحة.
وبفضل هذا النهج المبتكر، انخفضت معدلات التدخين اليومي في السويد إلى 4.5% بين البالغين المولودين في السويد، مما يجعلها أول دولة في العالم تحقق هذا الإنجاز التاريخي.

 

اترك تعليق