الدكتور نبيل الحكمي يكتب.. استراتيجيات العمالقة الابتكارية
في سياق التطور المستمر للصناعات الدوائية، تقوم عمالقة شركات الأدوية عالميا في الاعتماد على «المصادر الخارجية» للاستحواذ على الأدوية المبتكرة الحديثة أو ما يعرف بـ«الابتكار الخارجي» حيث لا يتم تطوير جميع الأدوية المبتكرة داخليا من قبل الشركات العملاقة، ولكن يتم الحصول على كثير منها من خارج أسوار هذه الشركات.
هذا النهج، الذي يتم في الغالب من خلال عمليات الدمج والاستحواذ (M&A)، وهذه العمليات ليست مجرد استراتيجية تجارية، بل ضرورة تحتمها تحديات جوهرية في الصناعات الدوائية والتقنية الحيوية.
بين عامي 2015 -2021 قامت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) باعتماد والموافقة على 323 دواء جديدا مبتكرا.
ومن خلال دراسة أفضل 20 شركة دوائية، تبين أن حوالي 65% من هذه الأدوية المبتكرة تم الاستحواذ عليها من شركات أخرى بالمقارنة بـ 28% من الأدوية المبتكرة تم تطويرها داخليا.
يبرز هذا الاتجاه تحرك شركات الأدوية الكبرى نحو استغلال سرعة الابتكار والخبرة المتخصصة الموجودة في الشركات الناشئة والصغيرة في مجال الصناعات الدوائية والتقنية الحيوية، والتي قد تتفوق على الشركات العملاقة في طرح العلاجات الثورية والمبتكرة في السوق.
حيث تتمكن شركات الأدوية العملاقة من تنويع محفظتها، وتجديد براءات الاختراع الخاصة بها، والاستفادة من الاختراقات العلاجية الجديدة، مع تخفيف التحديات المالية والعلمية لتطوير الأدوية داخليا.
برز عام 2023 كعام متميز بحجم صفقات الدمج والاستحواذ لشركات الأدوية الكبرى إلى مستويات قياسية.
حيث تراوحت قيمة هذه الصفقات من 50 مليون دولار إلى أكثر من 40 مليار دولار أمريكي.
وبلغ إجمالي هذه الصفقات للعام 2023 حوالي 223 مليار دولار أمريكي في هذا القطاع.
توضح التقارير المالية في عام 2023 صورة واضحة للقدرة المالية لشركات الأدوية العملاقة.
حيث تمتلك أكبر 16 شركة دوائية عالميا سيولة مالية متوفرة بقيمة 521 مليار دولار أمريكي.
إلى جانب ذلك، لديهم إمكانية مالية إجمالية بما في ذلك الاقتراض الخارجي قد تصل إلى 1.1 تريليون دولار أمريكي، وهو رقم قياسي يعكس القدرة الاستثمارية الهائلة لهذه الشركات العملاقة.
لا يخفى عليك عزيزي القارئ أن أزمة انتهاء براءات الاختراع أو ما يعرف بـ «هاوية براءة الاختراع» تشكل تحديا هائلا للصناعات الدوائية، وتعمل كعامل محفز لأنشطة الدمج والاستحواذ.
تعتبر براءات الاختراع شريان الحياة للشركات الأدوية العملاقة، حيث تحمي استثماراتها وتضمن الحقوق الحصرية للاستفادة من ابتكاراتها.
ومع ذلك، مع انتهاء صلاحية البراءات يمكن أن تواجه إيرادات هذه الشركات انخفاضا حادا مع دخول الأدوية الجنيسة (البديلة للأدوية المبتكرة وبأسعار منخفضة) من قبل المنافسين إلى الأسواق وبأسعار تنافسية.
ومن المتوقع أن تكون هنالك خسارة هائلة لهذه الشركات وقد تبلغ 113 مليار دولار من الإيرادات على مدى السنوات الخمس المقبلة بسبب انتهاء فترة براءات الاختراع لبعض أدويتها الابتكارية وتآكل حصتها في الأسواق التي تم بناؤها على مدى سنوات من البحث والتطوير.
ويبرز هذا التأثير الحاجة الملحة لشركات الأدوية العملاقة لتجديد دعم منتجاتها بأدوية جديدة مبتكرة محمية ببراءات الاختراع. سباق شركات الأدوية العملاقة للحصول على أدوية جديدة مبتكرة لا يتعلق بنمو هذه الشركات فقط وإنما لبقائها ونجاحها.
السعودية لديها فرصة كبيرة للاستفادة من توجهات الشركات الكبرى في الأدوية نحو الدمج والاستحواذ.
بتنويع اقتصادها، يمكنها استغلال صناديق الثروة السيادية للاستثمار في قطاعات الصناعات الدوائية والتقنية الحيوية العالمية، مما يعود بعوائد ضخمة ونقل التقنية.
كما يمكنها توسيع بنيتها التحتية والبحثية بتشكيل تحالفات مع شركات الأدوية الكبرى وجذبها لإقامة مراكز بحث وتطوير، مما يدعم الصناعة الدوائية الوطنية ويخلق فرص عمل مهارية.
إضافة لإنشاء حاضنات ومسرعات لدعم الشركات الناشئة، مما يجعلها جاذبة للدمج والاستحواذ. أخيرا، بانتهاء براءات الاختراع، يمكن للمملكة تسهيل إنتاج الأدوية الجنيسة محليا، مما يفتح فرصا لتصبح مركزا للتصنيع واللوجستيات.
نقلا عن جريدة مكة السعودية