أميرة الدَّواء.. حين يُولَد الأمل من رَحِم الألم
فى «عمَّان» بالأردن وُلدتْ رشا عودة لعائلة رقيقة الحال، مُكبَّلة بالالتزامات الماديَّة، ممَّا اضطر أبوَيْها لإلحاقها بإحدى المدارس الحكومية المجَّانية، وظلَّ دخولُها الجامعةَ مرهوناً باليُسْر المالى، إلى أن سَنَحَ القَدَر فتكفَّلت إحدى عمَّاتها بإدخالها كلية المجتمع، التى تمرَّست خلال الدراسة فيها على برمجة الحاسوب.
فى 2007، ومن المانيا، بدأت «رشا عودة» رحلتها فى عالم الأعمال، وعاشت حياة حاشدة بالمُثابرة والمُصابرة إلى أن كُلِّلتْ جهودُها ببيع شركتها الأولى عام 2017 وشراء وتولِّى قيادة شركة «CEDEM AG» في زيورخ سويسرا وهى شركة دوائية ذات بصمة عالمية تمتد لأكثر من 22 دولة وأنتقلت حينها للعيش في زيورخ.
تصف «رشا عودة» رحلتَها فتقول: «كان والدى يبيع المواد البلاستيكية بالجملة فى عمَّان، والآن أنا أُوزِّع المنتجات الصيدلانية فى جميع أنحاء العالم. إن رحلتى أكثر من مجرد قصَّة تَحوُّل من الفقر إلى الثراء؛ فأنا مُحدِثةٌ للتغيير».
لم يكن الطريق أمام «رشا عودة» مُعبَّداً أو مفروشاً بالورود؛ فقد استغرق الأمر سنواتٍ عديدةً لتتمكَّن من فَهْم تعقيدات تجارة الدواء، وتسويق العلامات التجارية، وساعدها على ذلك دراستُها فى المعهد الدولى للقيادة، التابع لكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد الأمريكية.
منصات الأدوية العالمية.. طوق النجاة
كوَّنت رشا خبرةً كبرى فى عالم تجارة الأدوية، تهدف للإفادة منها فى تقديم نموذج أعمالها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة و الدول الأخرى، وكذلك معالجة الفجوات فى أسواق المنطقة العربية والشرق الأوسط وإفريقيا، التى تمتلك حصَّةً متواضعةً فى سوق الأدوية العالمية، لا تتجاوز 3% سنوياً، بإجمالى 44.4 مليار دولار سنوياً، من أصل 1.48 تريليون دولار هى قيمة السوق العالمية، ولا ترقى هذه الحصَّة المتواضعة إلى حصَّة دولة واحدة مثل إسبانيا، التى تبلغ حصَّتها من السوق العالمية 57 مليار دولار سنويا.
ترى «رشا عودة» أن تراجُع سوق الدواء العربية والشرق أوسطية والإفريقية يعود إلى اللوائح الصَّارمة التى تعيق الابتكار وتطوير الأدوية الجَنِيسة من الشركات الصغيره، على عكس البيئة الأوروبية الأكثر مرونة، التى تطبِّق نموذج الأعمال الحكومية الدَّاعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ضاربةً المثل بألمانيا التى تضم 2.6 مليون شركة صغيرة ومتوسطة تستقطب عدة ملايين من الموظفين، وتقوم على تحفيز المبتكرين ومُطوِّرى الأدوية العامة و إنتاجها عند المصنعين الخارجيين دون الحاجة لأن تمتلك مصنع، وهو المفهوم الذى صَقَلَتْه سويسرا.
وتُسجِّل «رشا عودة» مفارقةً بين إسهام شركات الأدوية فى منطقة الشرق الأوسط – البالغة حوالى 23 مليون شركة صغيرة ومتوسطة – فى 90% من حجم الاقتصاد، وبين ما تعانيه من عقبات تَحُول دون تنظيم ملكيَّة تراخيص الأدوية للشركات الصغيره.
وتضع «رشا» خارطة طريق أمام شركات الأدوية فى دول مجلس التعاون الخليجى و غيرها، للانطلاق نحو آفاقٍ أرحب؛ وذلك بإنشاء مِنصَّة أدويه أوروبية تُمكِّنها من الانتشار فى جميع أنحاء العالم والوصول إلى أحدث المنتجات الطبيَّة بأسعار تنافسية؛ تقول: «هذا النَّهج لا يُوفِّر الوصول إلى الشرق الأوسط وإفريقيا فحسب، بل يوفر أيضاً وصولاً عالمياً، وهو أسرع وأقل تكلفة؛ إذ يتطلَّب رأس مال أقلَّ مما تحتاجه منشأة تصنيع مستقلة».
وتُشدِّد على أن استخدام منظمات التصنيع التعاقدية الحالية (CMOs) ومنظمات تطوير العقود والتصنيع (CDMOs) للإنتاج يعد أمراً منخفض المخاطر؛ نظراً لالتزامها بالامتثال للوائح ممارسات التصنيع الجيدة (GMP)، إضافة إلى تغذية التوسُّع العالمى السَّريع للشركات، وتسريع اختيار تراخيص المنتجات والاستحواذ عليها، وكذلك توسيع الوصول إلى مجموعة منتجات متنوعة، تجذب الاهتمام من كبار اللاعبين فى مجال الأدوية الذين يُفضِّلون الترخيص فى الاتحاد الأوروبى بسبب المعرفة التنظيمية، ممَّا يؤدِّى فى النهاية إلى زيادة قيمة العلامة التجارية للشركة.
وتقود «رشا عودة» مشروعها الخيري الخاص «أملى» للإرشاد، المُصمَّم لتوجيه المشورة لروَّاد الأعمال الطَّموحين، مع التركيز بشكل خاصٍّ على تمكين النساء فى مجال الأعمال؛ تقول: «مصطلح (أملى) مُشتقٌّ من (الأمل) الذى هو جوهر البرنامج الموجَّه نحو رائدات الأعمال من خلفيات متنوعة، بهدف إرشادهنَّ من خلال خطوات حاسمة إلى العمل الحُر الناجح، كما يسعى البرنامج إلى تزويد روَّاد الأعمال بالمعرفة الأساسية فى مجال الأعمال، وتحسين سُبُل عَيْشِهم، مما يُسهم فى رفاهية الأسر، وتعزيز الرخاء المجتمعى، وزيادة النُّمو الاقتصادى العام».
Linkedin: https://www.linkedin.com/in/rashaoudeh