د. محمد مبروك يكتب.. صناعة الدواء بين الحاضر والمستقبل
يعد قطاع الصناعات الدوائية من أكثر القطاعات أهمية بين باقي الصناعات التحويلية لأسباب عدة، حيث أن صناعة الأدوية من الصناعات الأساسية التي تمس صحة الإنسان وترتبط ارتباطا وثيقا بقطاع الرعاية الصحية، كما إنها من الصناعات ذات القيمة المضافة المرتفعة، بالاضافة إلى أن الدواء سلعة غير مرنة من حيث العرض والطلب، بل يستمر الطلب عليه حتى مع ارتفاع السعر كونه ضروريا ولا يمكن الاستغناء عنه، وتتزايد الحاجة له بسبب ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض، لا سيما المزمنة منها.
وتختلف طبيعة المنتجات الدوائية عن غيرها من المنتجات الأخرى؛ حيث يغلب عليها الطبيعة الاحتكارية وسيطرة عدد قليل من الشركات على النسبة الأكبر من السوق، خاصة الشركات العالمية متعددة الجنسيات.
وتشير الصورة العالمية لسوق الدواء إلى أن حجمه كان يُقدر في عام 2019 بنحو 1.25 تريليون دولار، بينما حقق في نهاية عام 2020 نموا طفيفا، فوصل حجمه إلى 1.27 تريليون دولار، لكنه بلا شك سينمو بشكل ملحوظ قد يصل إلى نسبة 3.2 بالمئة مع نهاية عام 2021 مع رواج تجارة اللقاحات الخاصة بكوفيد 19.
وفيما يتعلق بالسمات الرئيسية للصناعات الدوائية في مصر، فقد حققت مصر أعلى معدل نمو في منطقة الشرق الأوسط لاستهلاك الأدوية خلال 2018 وما بعدها، حيث احتلت مصر المرتبة الثانية في المنطقة بعد المملكة العربية السعودية من حيث نصيبها إلى إجمالي المنطقة من القيمة السوقية لمبيعات الأدوية، تليها الجزائر، فيما تأتي الإمارات العربية المتحدة بعد ذلك، ثم الأردن بنصيب ضئيل، بينما تتغير الصورة عند ترتيب الدول العربية من حيث صادرات الأدوية عام 2020، بحيث تأتي الأردن متقدمة في الترتيب على مصر، حيث حققت حوالي 325 مليون دولار من صادرات الأدوية، محتلة المركز 49 عالميا، في حين أتت مصر في المرتبة 58 بين مصدري الأدوية على مستوى العالم بحوالي 217 مليون دولار
وبالرغم من القيمة السوقية الضخمة لمبيعات مصر من الأدوية في الشرق الأوسط، التي وصلت بحسب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي الى 125 مليار جنيه (حوالي 8 مليارات دولار) عام 2020، إلا أنها لم تحرز تقدما ملحوظا في البحث والتطوير أو التوسع في التصدير، حيث تستورد مصر النسبة الأكبر من المواد الخام الفعالة والكثير من مستلزمات التعبئة والتغليف الأولية بالإضافة إلى بعض المنتجات تامة الصنع من الأدوية والمستلزمات الطبية من الخارج.
حيث بلغت واردات مصر من المنتجات الدوائية نحو 2.61 مليار دولار مقارنةً بحوالي 217 مليون دولار فقط للصادرات خلال عام 2020 وفقا لقاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية، وكما يتضح من تلك الأرقام، فإن وارداتنا من المنتجات الدوائية تفوق صادراتنا منها بنحو 10 أضعاف، مما يستدعي إعادة النظر في شأن تصدير الأدوية المصرية.
وقد شهد الإطار التنظيمي لصناعة الأدوية في مصر تغيرا جذريا في الآونة الأخيرة حيث تمت إعادة هيكلة هذا الإطار الحاكم بصدور القانون رقم 151/2019 والذي نص على إنشاء الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وهيئة الدواء المصرية، بالإضافة إلى هيئة سلامة الغذاء بهدف تطوير المنظومة الصحية وتوفير الدواء بشكل منتظم ومواجهة الممارسات الاحتكارية في هذا القطاع وتنمية الصناعات الطبية، بالإضافة إلى مواجهة ظاهرة الأدوية المغشوشة، على أن تتولى هذه الهيئات كافة مسئوليات إدارة المنظومة بالكامل بدلًا من وزارة الصحة.
وتولي مصر ملف الدواء اهتماما غير مسبوق في السنوات الأخيرة وتسعى للتوسع فيه وسد الفجوة من خلال إقامة مجموعة مصانع فيما يعرف بمدينة الدواء بمنطقة الخانكة التي افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا، كما يتم إقامة مصنعين آخرين أحدهما لمشتقات البلازما والآخر لأدوية الأورام، هذا مع البدء في توطين صناعة اللقاحات الخاصة بكورونا في مصر لتصبح نقطة انطلاق للاكتفاء الذاتي من اللقاحات والتصدير للأسواق المجاورة.
ومع كل هذه المتغيرات التي طرأت على هذه الصناعة في مصر وتعديل بعض القرارات لتشجيعها، من المنتظر أن تشهد طفرة غير مسبوقة في المستقبل القريب، لاسيما إذا واكبها نشاط في مجال البحث والتطوير الذي لابد أن يتم التركيز عليه في الفترة المقبلة كي تحتل مصر مكانتها التي تستحقها إقليميًا في هذا المجال الحيوي.
الدكتور محمد مبروك
الكاتب وخبير الصناعات الدوائية