د. محمد عز العرب يكتب.. 4 فبراير اليوم العالمي للسرطان.. ماذا نحن فاعلون؟
يتوافق اليوم العالمي للسرطان في الرابع من فبراير كل عام وينطلق العام الجاري تحت شعار (أنا سأفعل) والذي سيستمر بحملة منظمة لمدة 3 سنوات (2019-2022) مما يستوجب تضافر كافة الجهود الدولية لمكافحة السرطان من طرق وقاية وكشف مبكر وطرق علاجية فاعلة ومختلفة.
وإذا نظرنا إلي الوضع في مصر فنجد أن كافة الأبحاث الطبية والديموجرافية المنشورة أثبتت زيادة معدل الإصابة والإنتشار لحالات السرطان في مصر خاصة سرطان الكبد الذي تزايد بنسبة عالية تعدت عشر مرات خلال الثلاثين سنة الماضية حيث أصبحنا من الدول عالية الحدوث لسرطان الكبد(وهي الدول التي تزيد نسبة الإصابة بها عن 20 حالة لكل 100,000 من عدد السكان).
حيث أوضح ذلك عدة دراسات ذلك منها الدراسة الهامة والتي صدرت من المعهد القومي للأورام في عام 2014 والتي تعتبر الدراسة الوحيدة الممثلة سكانيا ومكانيا لكل محافظات مصر(Population based study) وبنيت عن إحصاء من مختلف مراكز الأورام في مصر.
إن نسبة الإصابة بسرطان الكبد هي الأولي بين كل أنواع السرطانات في مصر وكانت في الدراسة المذكورة: 43,6 لكل 100,000 من عدد السكان وهي تمثل 23,8 % (أي حوالي ربع) جميع حالات السرطان في مصر.
وكانت أعلي نسبة للإصابة هي بالوجه البحري ثم تليها الوجه القبلي ثم مصر الوسطي.
وتوقعت الدراسة زيادة حالات السرطان عموما في مصر من 115,000 حالة عام 2013 إلي 331,000 حالة بحلول عام 2050 أي بزيادة حواي 3 أضعاف خلال الثلاثين سنة القادمة. وهذه الدراسة تمت بمشاركة عدة مراكز أورام مثلت مختلف مناطق الجمهورية.
علما بأن مصر كانت من الدول قليلة الإصابة بسرطان الكبد سابقا(والتي تقل نسبة الإصابة بها عن 5 حالات لكل 100,000 من عدد السكان)حتي عام 2003 أي منذ 15 عاما فقط بناء علي دراسات ديموجرافية إحصائية .
وإذا أضفنا أن سرطان الكبد يمثل السبب الأول للوفيات بين كل أنواع السرطان في مصر فإن ذلك يستوجب تضافر كافة الوزارات والأجهزة ذات العلاقة ومنظمات المجتمع المدني وكافة الجهود في الوطن لمجابهة هذا الخطر الذي يعتبر من أكبر التحديات الصحية والاقتصادية حاليا ومستقبلا
خاصة لحدوث نسب وفيات عالية منه وكذلك للتكلفة العالية للعلاج وللأسف أكثر من ٩٥% منه علاج تلطيفي يستنزف المليارات سنويا من موازنة الصحة في مصر، وذلك غير معاناة المريض وأهله الرهيبة وتعطل الإنتاج منهم مما ينعكس وسلبا إقتصاديا ومجتمعيا.
ومن المعروف أن السبب الرئيس لحدوث سرطان الكبد(أكثر من 90%) هو تليف الكبد وهو في مصر نتيجة الإصابة بفيروس سي في حوالي 90% من الحالات والأسباب الأخري تشمل الإصابة بفيروس بي ودهون الكبد الغير كحولي.
وهناك عوامل بيئية للأسف منتشرة في مصر تزيد من فرص الإصابة بسرطان الكبد ومختلف أنواع السرطانات منها:
– استخدام الهرمونات بكثرة في مجالات كثيرة منها الزراعة والتسمين .
-انتشار سم الأفلاتوكسين B1 (الناتج عن فطر الأسبرجيليوس فلافوس) في الأطعمة والحبوب المخزنة عشوائيا وفي بيئة غير صحية .
-عادة التدخين وفي الأماكن العامة وتسبب ذلك في حدوث أنواع مختلفة من السرطانات مع الأضرار الطبية الأخري الخطيرة.
-تزايد إدمان المخدرات وبصورة مريبة ومايتسبب ذلك من حدوث الإصابات بالفيروسات الكبدية المسبب الأول للتليف وسرطان الكبد
– إنتشار العادات السيئة لإعداد وتداول الأطعمة وكثرة الأطعمة الدسمة في المطبخ المصري حاليا مما أدي إلي تزايد السمنة وتأثير ذلك علي الصحة العامة وحدوث تدهن بالكبد ومخاطر حدوث السرطان وأصبحنا من الدول الأعلي في العالم في معدلات السمنة وكذلك قلة الأغذية المحتوية علي مضادات الأكسدة.
– كثرة المواد الحافظة ومكسبات الطعم الصناعية وبعضها مجهول المصدر ومايحتويه من عناصر ضارة.
– عشوائية استخدام المبيدات الحشرية حتي في المنازل
– بعض العادات الخاطئة مثل استخدام الأكياس البلاستيك في حمل الأطعمة الساخنة وكذلك إستخدام مركب الايديتا لسرعة طهي الفول المدمس وما قد يسببه من مخاطر أضرار صحية جسيمة.
– انتشار التلوث من أبخرة عوادم السيارات والمصانع وملوثات البيئة الأخري …وصرف المصانع في الترع والمصارف وما قد تحتويه من مواد مشعة ومعادن ثقيلة مثل الكادميوم والنيكل .. ..
– عوامل أخري منها الكحوليات وقلة النشاط البدني وغيرها..
اذا ماذا نحن فاعلون لمكافحة السرطان خاصة سرطان الكبد؟
أرى أن الحل الأمثل لذلك يتمثل في إنشاء كيان مؤسسي(برعاية رئاسية) لمجابهة السرطان في مصر يضم كل الجهات ذات العلاقة( من وزارات الصحة والبيئة والزراعة والصناعة والحكم المحلي والتربية والتعليم والتعليم العالي والشباب والتخطيط وغيرها من الجهات المرتبطة،
مع وجود جبهة مجتمعية قوية من ممثلي منظمات المجتمع المدني مثل جمعية سرطان الكبد المصرية وجمعية رعاية مرضي السرطان والمركز المصري للحق في الدواء وكافة الجمعيات العاملة في هذا المجال وكل النقابات المهنية ورجال الأعمال والإعلام ومعاهد الأورام والكبد القومي وغيره،
وذلك لوضع إستراتيجيات وخطط علي المدي العاجل والمتوسط والطويل لمكافحة سرطان الكبد وذلك للتخلص العاجل من مسببات السرطان في مصر والعمل علي تغليظ العقوبات للمخالفين لتكون رادعة.. مع التوعية المجتمعية للمسببات وكيفية الوقاية، مع البدء فورا بتفعيل برامج الكشف المبكر لمختلف السرطانات خاصة سرطان الكبد وعنق الرحم والثدي والقولون للمرضي المستهدفين.
الموضوع هام وخطير جدا يستوجب البدء فورا وبدون تعطيل لمجابهة هذا الخطر الكبير ولحماية مواطنينا..
والله من وراء القصد.
الدكتور محمد علي عز العرب
إستشاري الكبد و مؤسس وحدة الأورام بالمعهد القومي للكبد
المستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء
أمين صندوق جمعية سرطان الكبد المصرية