د. محمد البحر يكتب.. تحديات صناعة الدواء المصري فى ظل أزمــة كورونـا
يشهد العالم بأجمعه حاليا أزمة فيروس كورونا والتى تضرب أنحاء العالم بنسب متفاوته وتماشيا مع الأزمة الحالية اتخذت الكثير من شركات الأدوية قرار بتعليق زيارات مندوبين الدعاية الطبية للأطباء والمستشفيات لمدة اسبوعين قابلة للتمديد لحين إنتهاء الأزمـة.
ويأتى هذا القرارحفاظًا علي صحة الموظفين وتعاوناً من إدارة تلك الشركات مع الحكومة المصرية لتقليل الإختلاط بين الأفراد لمواجهة انتشار فيروس كورونا في إطار خطة الدولة الشاملة للتعامل مع أي تداعيات محتملة لفيروس كورونا المستجد.
كما اتخذت الغالبية من المؤسسات العلاجية والطبية والعيادات الخاصـة قرارات بتعليق استقبال مندوبى الدعاية الطبية حرصا على سلامتهم وأسرهم والمجتمع ولتحجيم الإختلاط بين المجتمعات الطبية. بل وقد أقدم البعض من الأطباء على الإعتذار عن استقبال مرضى الأمراض التقليديـة بالعيادات الخاصـة والإكتفاء بتشخيص الحالة ووصف العلاج عبر الإنترنت.
لذا، يفرض التكيف المستمر مع متطلبات العملاء وتغيرات السوق على المؤسسات الطبيـة، إدخال التقنيات الرقمية على نموذج أعمالها الحالي، تبعاً لتخصصها ونوع عملها
وبناء عليه تنبثق أهمية التحول الرقمي اليوم من إستراتيجيات التعامل مع أزمة فيروس كورونا، إذ إن طرح إستراتيجية التباعد الاجتماعي والعمل من المنزل والانعزال عن طريق استخدام المنازل كملاجئ مؤقتة، كل هذه العوامل فرضت التحول إلى العالم الرقمي وخدماته الإلكترونية.
واتجهت شركات الأدوية للتواصل المباشر مع الأطباء والصيادلة باستخدام التقنية الرقمية لإتمام المحادثات البيعيـة، وذلك لتبسيط الإجراءات وتأكيد سهولة الوصول للعملاء لتلبية المتطلبات المتغيرة لهم وتماشياً مع التكنولوجيا الحديثة والعملاء الرقميين.
وكشفت كورونا قدرة الشركات على التعامل مع التحول الرقمى والتكنولوجيا الرقمية ودرجة مرونتها في اتخاذ قرارات التحول الرقمي أو القيام ببعض التحسينات التكنولوجية بحسب قدرتها الفردية.
وحيث أن الإغلاق قد أدى إلى تفاقم أوجه التفاوت في نشاط شركات الأدوية وقدرتها التنافسية فى السوق المحلى، إذ تبدي الشركات الكبرى قدرة أكبر على الحفاظ على مستويات أعلى في الإنتاجية والمبيعات، وتوفير المستحضرات الطبية على عكس شركات الأدوية الاخرى والتى لن تستطيع التأقلم والتطور وفقا لمتغيرات السوق المصرى والعالمى فاليوم لم تعد سياسـة الانخراط بالعالم الرقمي والتفاعل معه خياراً
بل أصبح من الضروري لشركات قطاع الدواء كغيرها من الكثير من القطاعات الأخرى إعادة النظر في خطط التحول ورفع مستوى البنية التحتية الرقمية، وتوظيف المهارات الجديدة المدربة والمؤهلة من أجل الحصول على فرصة أفضل للتنافس في ظل الوضع الجديد.
كما أصبح من العاجل تطوير الأفكار التقليدية وتحويل الخطط الإعلانية والتسويقية الكلاسيكية إلى خطط أكثر مرونة واستجابة مع الأحداث الطارئة بدلاً من السير على خطة واحدة ثابتة.
وأصبح الآن من الضرورى مع الواقع الإفتراضى أن تدشن شركات الأدوية موقعاً عنكبوتياً يحوي كل المعلومات المتاحة حول الشركـة ومنتجاتها وكيفية التواصل والنقاش مع الشركـة وإدارتها وكذا الوسائل المتاحـة لتوفير المستحضر للطبيب أو الصيدلى أو الهيئة الطبيـة، ويحتاج ذلك إلى إعادة النظر فى هيكلة شركات القطاع الطبي بالسوق المصرى من حيث الكفاءات التكنولوجية الواعية الباحثة عن التميزمع ضمان تنظيم عملية الاتصال بين العملاء والشركات.
ومن وسائل الاتصال المرئية والصوتية التي تتيح لمندوب الدعاية الطبية الاتصال والنقاش مع الطبيب أو الصيدلى، وكأنهم في عيادة الطبيب الخاصـة أو بالمستشفى أو بقاعة الإجتماعات .
مما يتطلب بالطبع توفيرعدداً كبيراً من البرامج والأجهزة الإلكترونية بهدف استخدام أشكال التكنولوجيا الزهيدة التكلفة عبر الأجهزة المحمولة لأغراض التواصل مع العملاء والموزعين للتخفيف من وطأة هذه الأزمة.
وجدير بالذكر أنه فى المستقبل القريب لن تقتصرإستخدام التكنولوجيا الرقمية بشركات الأدوية فقط على التواصل مع الأطباء بشكل فردى .
ففي إطار خطة الدولة الشاملة لمكافحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد – 19»، أصبح من غير المنطقى عقد المؤتمرات الطبيـة التقليديـة بحيث يتواجد عدد كبير من الأطباء بقاعة واحدة , لذا تستطيع شركات الأدوية التواصل مع عدد كبير من الأطباء من خلال عقدالمؤتمرات أو الدورات التدريبية في مختلف المجالات الطبية وتدريبهم على الجديد فى علوم الطب الحديث ، دون أن يُسبب ذلك أضراراً ناتجـة عن التجمعات .
بعد الآن , لن يضطر الأطباء للحضورأو السفرلبلدان أخرى ولن يتكدسوا في قاعة تدريب كما فى السابق’ فقط يحتاج الجميع للهواتف المحمولة، أو أجهزة “لاب توب”، لتلقى التدريب إما في المستشفيات ، أوفى عياداتهم أو حتى فى منازلهم.
وبالتالى فى إطار إسهام الشركات فى تنمية المجتمع الطبى , يتم التواصل عن بُعد بين الأطباء من خلال إستخدام التطبيقات الإلكترونية الحديثة ، بهدف التعرف على أحدث العلاجات العالمية بمختلف التخصصات.
الأكيد أن سلوكيات الأزمة المؤقتة هذه ستتغير بعد أن تهدأ الموجة، وسيعود البعض إلى حياته الطبيعية بحذر، والبعض الآخر سيعيد التخطيط بناءً على فهمه الخاص لما جرى وانطلاقاً من قناعاته الشخصية، ولكن المؤكد أن العالم أمام إعادة إنتاج حياة جديدة بمفاهيم اجتماعية وصحية ومهنية مختلفة.
ليس ذلك فحسب، بل ستتغيرخطط التوظيف كليا لضمان تخفيض التكاليف بحيث أنه قد تلجأ شركات الأدوية إلى إعتماد نظام التوظيف عن بعد بشكل كامل، لأن العمل عن بعد يعني توفير الكثيرمن النفقات، فلن تدفع الشركة تكاليف باهظة لاستئجار مقر للمكاتب العلمية، وكذا تجهيز مساحات مكتبية واسعة للموظفين، ولن تتحمل نفقات شراء حواسيب شخصية للعمل، أو حتى تكاليف انتقالات الموظفين ومندوبين الدعاية الطبية من وإلى العمل.
وسيؤدي تبني أسلوب التوظيف عن بعد إلى توفير الكثير من التكاليف العامة والنفقات. بل ويسهم أيضا فى جذب الكفاءات التي تبحث عن أساليب العمل الذكية التي لا تهدر الوقت والمال وتحقق التوازن بين العمل والحياة، لذلك عادة ما يكون العاملون عن بعد أكثر مهارة من أقرانهم الذين يعملون من المكتب، وبالتالي لديهم استعدادًا أعلى للتعلم والتميز في مجال عملهم،
لا تقتصر مزايا التوظيف عن بعد على الإنتاجية وقلة التكاليف وانعدام التشتت وحسب، لكنه يسمح للشركات الوصول إلى أفضل الموظفين من ذوي الكفاءات في جميع أنحاء العالم بدون التقيد بالحدود الجغرافية أو المكانية التي يفرضها نظام العمل التقليدي من مقر العمل، ما يمنح الشركات القدرة على المنافسة مع الشركات العالمية.
والسؤال الآن: هل تعتقدون أن شركات الأدوية ستعود لسابق عهدها فى أساليب العمل والإدارة التقليديــة فى الإجتماعات والملتقيات الفعليـة أم ستتفهـم أهميـة التغيير فى عالمنا المعاصـر ؟
ربمـا سيعود البعض ولكن بنسبة قليلة إلى سابق عهده كما كان قبل هذه المحنـة والمنحـة الإلهيـة .. بينما ستتحول الغالبية من الشركات إلى فعاليات العمل والإدارة الرقمية سواء فى (تسيير العمل , المحادثات البيعية , تكنولوجيا التدريب وكذلك المؤتمرات ) .
فها هى الكورونا تثبت للبشريــة أن الإبداع والتغيير يولد من رحـم الأزمات.
الدكتور محمد البحر
مدير ادارة التدريب بشركة سيجما للصناعات الدوائية
