د. علي عبدالله يكتب.. عشوائية سوق الدواء
لا يتعامل التخطيط طويل المدى مع القرارات المستقبلية بل مع مستقبل القرارات الحالية.. عبارة استوقفتني كثيرا للكاتب العالمي “بيتر دراكر” والملقب بأنه الأب الروحي لعلم وفن الإدارة، تلك العبارة التي لخص بها “دراكر” أهمية التخطيط الاستراتيجي ليس فقط للبلدان والمؤسسات ولكن أيضا للأفراد .
وكما قال الفيلسوف الصيني كونفوشيوس أن دراسة الماضي مهم لمن يريد التخطيط للمستقبل، استعادة الذاكرة قضية حادث وفاة أطفال بنى سويف التي حدثت منذ سنوات بسبب المحاليل الوريدية التي كانت مخصصة لعلاج الجفاف والتي تركت العديد من التسألات دون أجوبة واضحة .
وجاءت تصريحات الدكتور المحترم عادل عدوي وزير الصحة السابق في هذا التوقيت بأن الشركة المصنعة للمحاليل لم تلتزم بالكميات المصرح لها سلفا بالتصنيع وأنها استغلت موافقات سابقة مخالفا الضوابط والمعايير والقوانيين الخاصة بتصنيف المستحضرات الدوائية .
وهو مايطرح العديد من التساؤلات، هل سوق الدواء المصري سوق عشوائي وغير منضبط وينقصه البيانات الدقيقة حول الإنتاج والتصنيع والمبيعات؟ هل قرار وزارة الصحة بغلق ذلك المصنع في هذا التوقيت كان صحيا علميا، أم سياسيا متسرعا.
لأنه في ظني لو أغلق كل مصنع دواء بسبب عدم مطابقة واحدة من تشغيلاته للضوابط والمعايير لأغلق الكثير من مصانع كبريات شركات صناعة الدواء العالمية وقد تكرر هذا الإغلاق مع المصنع الأول والوحيد لصناعة ألبان الأطفال في مصر وترتب على ذلك الكثير من الأزمات الخانقة للمحاليل الوريدية، وتكبدت الدولة المليارات من الدولارات لاستيراد ألبان الأطفال في هذا التوقيت .
وبعيدا عن كل الاسئلة التي تطرح نفسها عن تلك الواقعة حول كيفية حدوث ذلك فى ظل رقابة وزارة الصحة؟ وهل يتم محاسبة هذا المصنع ضرائبيا عن الكمية المنصرفة من المصنع بعيدا عن التسجيل الرسمي؟ وأين ذهبت هذة الكميات؟ يتبقى السؤال الأهم هل تم سحب كل الكميات الغير مطابقة من السوق الحكومى والخاص فى ظل عدم وجود إحصاء رسمى ومتابعة جيدة ومحكمة لمسار الأدوية فى مصر وفى غياب قواعد واضحة ملزمة للشركات بسحب تشغيلاتها غير المطابقة.
الإجابة للأسف لم يتم ذلك.. لأننا نعيش في سوق دوائي محلى عشوائي غير متابع جيدا .
وللقضاء على تلك العشوائية يجب أن تمتلك وزارة الصحة للتعامل مع ملف الدواء استراتيجية واضحة تهدف إلى اتخاذ قراراتها بشأن المستقبل العام لدراسة وتحليل الواقع ( أين نحن الأن ؟ ) وصياغة الرؤية المستقبلية ( أين نريد أن نذهب ؟ ) ورسم خريطة للوصول إلى تلك الرؤية ( كيف سنصل إلى ما نريد ؟ ) .
ولكي تتمكن الدولة من اتخاذ الخطوة الأولى في القضاء على عشوائية سوق الدواء وإحكام قبضتها عليه، يجب أن تسرع في تطبيق نظام التتبع الدوائي، والذي يكون من خلال باركود يحتوى على كل مفردات علبة الدواء من ميلادها فى مصنع الدواء حتى وصولها للمريض، وهو مايحفظ للدولة حقها من الضرائب ويمنع الغش والتهريب، ثم يضمن سحب أى دواء من السوق ثبت عدم مطابقته للمواصفات لحماية المرضى، مما يجعل من من تطبيق نظام التتبع الدوائي أمرا حتميا… نأمل أن يكون قريبا .
الدكتور على عبدالله
مدير المركز المصري للدراسات الدوائية
والإحصاء ومكافحة الإدمان