د. شريف كمال يكتب.. «الأدوية اليتيمة» نافذة أمل لعلاج الأمراض النادرة
تُمثل الأدوية اليتيمة نقلة نوعية في مجال الطب الحديث، حيث تهدف إلى معالجة الأمراض النادرة التي تؤثر على نسبة صغيرة من السكان. وعلى الرغم من قلة انتشار هذه الأمراض، إلا أن تأثيرها على المرضى وعائلاتهم يكون عميقًا ومدمرًا. وغالبًا ما يتم تجاهل هذه الفئة من المرضى بسبب قلة الربحية في تطوير أدوية تستهدف حالاتهم. ومع ذلك، تقدم هذه الأدوية أملًا جديدًا لتحسين جودة حياة المرضى الذين يعانون من نقص الخيارات العلاجية المتاحة.
الأمراض النادرة، التي تصيب أقل من 200,000 شخص في الولايات المتحدة أو أقل من 1 في كل 2,000 شخص في الاتحاد الأوروبي، تمثل تحديًا طبيًا كبيرًا. من أمثلة هذه الأمراض التليف الكيسي الذي يسبب تراكم المخاط السميك في الجهاز التنفسي والهضمي، وداء غوشيه الذي يؤدي إلى تراكم الدهون في الكبد والطحال نتيجة نقص إنزيم معين، وضمور العضلات الشوكي الذي يسبب ضعفًا تدريجيًا في العضلات بسبب فقدان الخلايا العصبية الحركية. غالبًا ما يواجه المرضى معاناة طويلة نتيجة تأخر التشخيص بسبب ندرة هذه الأمراض وصعوبة التعرف عليها، فضلًا عن محدودية العلاجات المتاحة.
تسهم الأدوية اليتيمة بشكل كبير في تحسين جودة حياة المرضى من خلال تقليل الأعراض الحادة، وإطالة العمر، وتقليل المضاعفات الصحية المرتبطة بهذه الأمراض. كما أنها تعزز البحث العلمي بفتح آفاق جديدة لفهم هذه الأمراض وتطوير حلول علاجية مبتكرة، ليس فقط للأمراض النادرة، بل أيضًا للأمراض الأخرى التي قد تشترك معها في بعض الآليات الجينية أو البيولوجية. بالإضافة إلى ذلك، تسهم هذه الأدوية في تقليل العبء الصحي والاقتصادي، حيث توفر علاجًا فعالًا يقلل من الحاجة إلى الجراحات أو الإقامات الطويلة في المستشفيات، مما يخفض التكاليف على المرضى والأنظمة الصحية.
لكن تطوير الأدوية اليتيمة يواجه تحديات كبيرة. من بين هذه التحديات قلة عدد المرضى المؤهلين للتجارب السريرية، وارتفاع تكاليف البحث والتطوير، ونقص التمويل نظرًا لانخفاض العائد المالي، فضلًا عن التعقيدات التنظيمية التي تصعب عمليات الموافقة على هذه الأدوية. ومع ذلك، قامت العديد من الدول بوضع برامج لدعم هذا النوع من العلاجات. على سبيل المثال، يوفر قانون الأدوية اليتيمة في الولايات المتحدة إعفاءات ضريبية، وتسريع الموافقات، وحوافز مالية للشركات التي تعمل على تطوير هذه الأدوية. في الاتحاد الأوروبي، يتم منح الشركات حصرية السوق لمدة تصل إلى عشر سنوات لتشجيع الاستثمار. أما في الدول النامية، فتسهم المبادرات الدولية وبرامج الدعم في تعزيز البحث والتطوير في هذا المجال.
توجد العديد من الأمثلة على نجاح الأدوية اليتيمة، مثل دواء «Spinraza» الذي يعالج ضمور العضلات الشوكي، ودواء «Eculizumab» الذي يُستخدم لعلاج متلازمة الانحلال الدموي البولي، ودواء «Ivacaftor» الذي يحسن وظيفة البروتين المعيب في مرضى التليف الكيسي. هناك أيضًا العلاجات الجينية مثل «Zolgensma» الذي يعالج ضمور العضلات الشوكي بجرعة واحدة، وLuxturna»» لذي يعيد جزءًا من الإبصار لدى المرضى المصابين بفقدان البصر الوراثي.
دور الصيادلة ومقدمي الرعاية الصحية لا يقل أهمية، حيث يشمل تثقيف المرضى وأسرهم حول كيفية إدارة المرض وأهمية الالتزام بالعلاج، ودعمهم في الحصول على الأدوية من خلال برامج الدعم الحكومي، والمساهمة في البحث العلمي من خلال جمع البيانات أو المشاركة في التجارب السريرية.
الأدوية اليتيمة تمثل شعلة أمل للمرضى الذين كانوا يعانون لفترة طويلة من الإهمال الطبي. ومع تزايد الدعم والتعاون بين الحكومات وشركات الأدوية، يمكن أن تتحول الأمراض النادرة من حالات ميؤوس منها إلى أمراض يمكن السيطرة عليها بفعالية، مما يمنح المرضى وعائلاتهم فرصة لحياة أفضل مليئة بالأمل والتفاؤل.
الدكتور شريف كمال
مستشار رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية للشؤون الصيدلية وإدارة الدواء