د. خالد نور الدين يكتب.. مصر من البيات الشتوي إلى مقدمة الصفوف
كنت مثل كثيرين من المصريين نتساءل دائما ما فائدة السبعة آلاف سنة حضارة «الآن»..!! هل مازلنا نعيش على كنوز آبائنا وأجدادنا من أثار وحفريات فقط؟!!.
ولا أخفيكم سرا بأنني كنت مقتنعا بهذا الرد السطحي إلى أن بدأت أن أزور العالم المتحضر وأحتك وأحاور وأعمل مع هؤلاء الذين نراهم عباقرة حتى في شخيرهم أثناء نومهم. وقد زرت معظم بلاد العالم تقريبا و استطيع أن أُجزِم أنّ ما كنتُ منبهراً به هو وَهمٌ زائل «على مستوى الفرد». وبدأت أفهم أننا نعيش في وهم كبير اسمه «عقدة الخواجة» حتى الآن.
وبدأت أدرك أننا كأفراد نحن أفضل وأذكى وأكثر قدرة على الحلول واكثر نباهة من الغرب المتحضر.
وبدأت أفهم أن العبقري عاطف سالم عندما أتى بالعملاق أحمد زكي وصنعوا لنا دُرّه وجوهره اسمها «النمر الأسود» لم يكن مبالغاً أبدا في ما قدمه عن قدرة المصريين وذكائهم وعزيمتهم قديما وحديثا فهي قصة حقيقية تتكرر كل يوم في كل مكان في الدنيا.
ولكن كيف انتقلنا من أسياد العالم علما وخلقا وثقافة وفنا وزراعة وصناعة وطبا وهندسة وغيره وغيره إلى دولة من دول العالم الثالث التي كانت لا تقدر على سد احتياجاتها من زراعة وصناعة وغيرها من الاحتياجات الأساسية للشعوب..!!
انه «نظام العمل» يا سادة. فهؤلاء المصريون هم أنا وانت وغيرنا كثيرون نحمل نفس الجينات والخلايا التي زرعها فينا آباؤنا وأجدادنا من حب للعمل و الذكاء والشطارة وهو ما يطلق عليه «الفهلوة». وليست كل «الفهلوة» سيئة ولكنها ارتبطت بنا وبسلوك سيء لبعض منّا يهدف إلى الحصول على أكبر المكاسب بأقل امكانيات ممكنة.
ولكن الفهلوة عندي وعند غالبية المصريين تعني اكتساب طابع مصغر من العبقرية.
فهذا سمكري السيارات الذي طالما يعمل النهار بطوله وأجزاء من الليل واقفاً على قدميه ليعيد لك سيارتك أحسن مما كانت «رجعتها لك عروسة يا باشا ولا أحسن توكيل». وهو صادق..ولا أحسن توكيل ولا فيه بلد بتعمل كده..!!
والفلاح الذي يزرع في مزرعة أشجار الموالح والفاكهة ويأتي ويزرع من بينها الخضار والفاكهة الذي يكفيه ويكفي أسرته طوال العام لكي يستفيد من الأرض اقصى استفادة ممكنة وبدون أن يؤثر على شجر الموالح أو الفاكهه الرئيسية.
والنجار الذي يستطيع أن يرسم لك مالا يمكن أن تراه في خيالك مستخدما فقط مسمار ومنشار ولو صادف ورأيت حجرة نوم او صالون وقد أعجبك في مجلة او صورة وأشارت له عليها فيرد عليك قائلا «اعتبرها خلصت يا باشا واحسن من اللي في الصورة كمان بدون كمبيوتر ولا مساعدة صديق ولا حذف إجابتين وبأقل من 1\2 الثمن». وهو صادق ودمياط أصدق دليل علي هذا.
ولا أنسى أبداً الطبيب المصري ولطالما تعلمته من أساتذتي أن اصل إلى التشخيص بأقل الإمكانيات الممكنة ولا داعي لتحميل المريض بأعباء مالية إضافية من أشعات وتحاليل وخلافه .
فتري الطبيب المصري مهما كانت درجته العلمية من ممارس او أخصائي أو استشاري أو أستاذ يرى أنه دوره أن يصل إلى التشخيص المناسب للحالة بدون أي تكاليف إضافية على المريض ويظل يجتهد ويجتهد ويجتهد حتى يصل إلى مبتغاه. إن دل هذا على شي فهو يدل على جينات العبقرية «والفهلوة» الحسنة المطلوبة عند المصريين.
ولكن كان ينقصهم نظام العمل والبيئة الصحية الحسنة لإظهار مواهبهم وجيناتهم للعالم. وعلى مدار الست سنوات الماضية بدأت تلوح في الأفق ظهور حقبة جديدة من الإعتراف بعظمة وعبقرية المصريين و ضرورة تسهيل كل السبل لإظهار عبقريتهم وبدء تجهيز نظام وبيئة عمل تحترم المصريين وما يمكن أن يقدموا إلي بلدهم والعالم.
وطوال الست سنوات الماضية كنت أتنقل بين عواصم العالم للعمل وكلما أذهب وأحضر مره ثانية إلي مصر أرى بلدي تتغير من حالة إلى أفضل وكلما أسافر وأعود أرى أن الحال الأفضل اصبح أفضل وأفضل من كهرباء وطاقة وصحة وأمن وعشوائيات واتصالات وتعليم وزراعة وطرق وغيرها وغيرها.
وبدأت الدولة المصرية في تهيئة النظام الذي كان يتميز به العالم اجمع للإستفاده من عبقرية المصريين وليس أدلّ على ذلك مما كنا نطالب به حتى بُحّ صوتنا أن الدواء أمن القومي و أن المادة الخام أمن قومي لانه في حال عدم إمتلاك دواءك وعدم امتلاك المادة الخام تصبح تحت سيطرة الغير بدون رحمة او شفقة.
حتى رأيت رئيس الدولة أمس يتبني هذه الاستراتيجية ويؤمن بها بل ويطالب وحكومته بتبني تطبيق هذه الاستراتيجية في افتتاح مدينة الدواء المصرية «جيبتو فارما» وهي الأكبر في الشرق الاوسط فتيقنت أننا على الطريق الصحيح لاستعادة أمجادنا التي فقدت أعواماً عديدة وأزمنةً مديدة سواء عن طريق الإهمال أو كانت بفعل فاعل.
أعانكم الله على الحمل الثقيل وشدّ من أزركم وجعل النجاح والفلاح حليفاً لكم. وسيذكركم وسينصفكم التاريخ لأنكم اخرجتم مصر من السبات العميق إلى مقدمة الصفوف.