د. خالد نور الدين يكتب.. عندما يبرع الآباء والأجداد ويتراخي الأبناء والأحفاد
لا أدري ما الذي جعلني أنبش في تراب الحضارة المصرية القديمة في هذا الوقت تحديدًا لرؤية ومعرفة ما فعله آبائنا و أجدادنا لتقدم ورفعة شأن مصر و مقارنته بما نفعله نحن الآن.
وحقيقة فقد أذهلني ما رأيت، فقد رأيت أمة أنارت العالم بعلمها وعملها حتى أن مصر أصبحت منارةً للعلم في كافة المجالات عامة وفي الطب والدواء خاصة.
وعندما أتعمق أكثر واكثر فيما فعله آباؤنا وأجدادنا في الطب والدواء أجد علماً وفهماً وتطبيقاً شاملًا لكافة معاني المعرفة والإنسانية .
فقد برعوا في معظم أفرع الطب واستحدثوا علاجات ووصفات طبية أشاد لهم بها العالم أجمع.
ولكن تميز طب العيون وطب النساء باهتمام خاص فقد برع المصريون القدماء بطب العيون نظرًا إلي انتشار الرياح المحملة بالأتربة والرمال ولم تكن هناك مباني مغلقة في هذا التوقيت لذا كانوا عرضة لأمراض الرمد والعيون كثيراً مما استدعي عمل تركيبات طبية للحد من انتشار أمراض الرمد والعيون وقد برعوا فيها كثيراً.
أما أمراض النساء فقد كان للمرأة المصرية تحديداً مكانتها كرمز للخصوبة وكزوجه وأم للأبناء حتى أنهم ابتكروا طريقة خاصة لمعرفة إذا كانت المرأة قادرة على الحمل أم لا عن طريق وضع الثوم في مهبل المرأة من الليل إلى الفجر فإذا وجدت رائحة الثوم في فمها دلل ذلك على قدرتها على الحمل في المستقبل بينما حدوث العكس يعني عقمها.
فقد علم الأجداد أن الثوم والبصل يحتويان على مجموعة من الزيوت الطيارة ذات الروائح تستطيع النفاذ عبر أنابيب وممرات الجهاز التناسلية للمرأة ولم يتوقف عند هذا الحد فقد إستحدثوا طريقة لمعرفة نوع الجنين منذ الأيام الأولى للحمل عن طريق إقران بول الحامل بالشعير والقمح فإن انبتت القمح كانت المولودة فتاة وإن أنبت الشعير فقد يكون ذكراً.
أما عن علوم التشريح والجراحة فحدّث ولا حرج. فقد كانوا أساطيراً في التحنيط ومعرفة الوصول للمخ عن طريق فتحة صغيرة بالأنف وكذا في معرفة الأعضاء والأحشاء الداخلية نظرًا لتفريغها بطريقة علمية والقيام بعملية التحنيط.
وكما برعوا في الطب فقد برعوا في علوم الدواء فقد اكتشفوا العديد من الوصفات للمساعدة في علاج الأمراض المختلفة مثبتة بالبرديات ومنقوشة على حوائط المعابد حتى الآن كعلاج أمراض العيون والنساء والجراحة وعلاج الكسور وتنقية البشرة وعلاج القولون.
وقد تم استخدام العسل كدواء ضد التهابات الجروح لمنع انتشار البكتيريا بل ووصل الأمر إلى اكتشاف حوالي 800 علاج منها موضعي كالمراهم والأغلفه وطحين اوراق الشجر ومنها ما يؤخذ عن طريق الفم مثل الحبوب وغسول الفم. ومنها الحقن الشرجيه للمساعدة في علاج الإمساك وأمراض الكبد.
وقد ظهرت المستخلصة الطبية من النباتات الطبيعية بكثرة علي يد أبو الأطباء «إمنحوتب» حتى أنهم وضعوه في مصاف الآلهه والأساطير لمعرفته سر الحياة ومعرفته سر الحفاظ عليها. حتي أن «إمنحوتب» لم يكن طبيبا ماهرًا فقط بل كان كبيرا للأطباء وكان موسوعة علمية لم يشهد التاريخ المصري قديما ولا حديثا لها مثيلا.
فقد كانا دائم البحث والمعرفة يتعلق بأسبابها محاولاً اكتشاف كل الطرق المجهولة من أجل خدمة الإنسانية. وكذا كان اشهر مهندس معماري في عصره فهو الذي صمم هرم زوسر المدرج المعروف بهرم «سقارة» أول الأهرامات المصرية وأول بناء حجري مكتمل في الحضارة المصرية القديمة.
وكذلك هو أول من وضع قواعد اللغة المصرية القديمة وأيضًا هو أول من اخترع مقياس لإختبار منسوب النيل.
هذا ما كنا عليه سابقا في الطب والدواء اما الآن..
فلعل واقع عالم الدواء المصري وحاله لا يخفى على احد فقد برزت فيه قوي وشركات إقليمية وعربية وتراجعت فيه القوي والشركات المصرية نتيجة النظرة قصيرة الأجل التي كنا ومازلنا ندير بها أمورنا.
مع أن مصر تمتلك عقولًا جبارة وامكانيات وموارد رائعة لايمكن مضاهاتها. مما يؤهلها للعب دور أكبر على الساحة العربية والدولية في صناعة الدواء.
فقط يتبقى لنا النظرة الشاملة للمستقبل وكيفية إدارة هذه الموارد للوصول إلى ما يستحقه هذا الوطن وهذه الحضارة.
الدكتور خالد نور الدين
الخبير الدوائي والمدير السابق لشركة ساجا مصر