جدل في منظمة الصحة العالمية بسبب ارتفاع تكلفة أسعار أدوية الأمراض المزمنة
ناقشت لجنة خبراء منظمة الصحة العالمية المعنية باختيار واستخدام الأدوية الأساسية في جنيف أول أمس، فرص توسيع الحصول على علاجات السرطان المكلفة، وارتفاع أسعار الجيل الجديد من أدوية الأنسولين، وغيرها من الملفات المثيرة للجدل.
وتعقد هذه اللجنة اجتماعا كل سنتين لتحديث قائمة تضم أكثر من 400 دواء وعقار تعد الأكثر أهمية لعلاج احتياجات الصحة العامة على الصعيد العالمي.
وتم أول تحديث لقائمة الأدوية الأساسية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية في 1977، ومنذ ذلك العام يجري تحديثها كل سنتين بالتشاور مع مختصين في جميع أنحاء العالم.
وتستخدم القائمة الآن كأساس للسلطات الصحية في عديد من البلدان لتوجيه قراراتها بشأن المنتجات التي تضمن ضرورة توافرها وإتاحتها على نطاق واسع لسكانها.
شملت الإضافات المقترحة لاجتماع اللجنة الـ22 هذا العام ما يقرب من 30 دواء جديدا إضافة إلى نحو 12 تركيبة جديدة لعلاج أمراض تراوح بين السكري من النوع 1، والسرطان، والسل، والتهاب الكبد الوبائي نوع سي، وصولا إلى أمراض الإسهال.
ولقي اقتراح واحد – دعا إلى أن تشمل القائمة نظائر للأنسولين “الأشكال المتغيرة من الأنسولين البشري” كعلاجات لمرض السكري من النوع 1 – مقاومة شديدة بشكل خاص من عديد من المختصين العلميين، وممثلي المجتمع المدني، ضمنها مؤسسة العمل الصحي الدولي، ومؤسسة الأنسولين الدولية. وقال هؤلاء “إن إضافة أدوية نظيرة جديدة، التي هي أكثر تكلفة، إلى القائمة، يمكن أن تزيد في نهاية المطاف من أسعار الأنسولين على البلدان النامية”.
واستشهدت مؤسسة العمل الصحي الدولي، بما أكدته دراسة استقصائية لأسعار الأنسولين في 13 بلدا من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أن الحكومات تدفع نحو خمسة دولارات “كل شهر من العلاج” للأنواع الرئيسة الثلاثة من الأنسولين البشري في حين إن أسعار نظائرها تراوح بين 42 و55 دولارا، أو ثمان إلى 11 مرة أعلى.
وذكرت المؤسسة، أنه لما كان 96 في المائة من الأنسولين في جميع أنحاء العالم يتم تجهيزه من قبل ثلاث شركات أدوية فقط، وتقوم هي ذاتها بتسويق نظائر الأنسولين، عندها يكون إدراج نظائر الأنسولين كأدوية أساسية يماثل إرسال إشارة خاطئة إلى خدمات الصحة العامة، “لإدراجها في القائمة الوطنية للأدوية الأساسية، ومن ثم شراؤها بسعر أعلى بكثير من الأنسولين البشري”.
وأضافت”إذا كانت لديك ميزانية محدودة وتنفق كل هذا المال على عقاقير باهظة الثمن جدا، فلا يمكنك الوصول إلى أكبر عدد من الناس”.
من الناحية الطبية، فالأنسولين البشري هو إعادة البناء البلوري للأنسولين الموجود بشكل طبيعي في الجسم، في حين إن الأشكال النظيرة للأنسولين قد تم تعديلها لإيجاد نمط أبطأ “أو أسرع” من إطلاق الأنسولين أو امتصاصه. هذا بدوره يمكن تقليل عدد الحقن المطلوبة من 2 إلى 1 يوميا لبعض المرضى الذين هم على نظام من الأنسولين مستقر جدا.
وأوضح هانز هورسزيل، أستاذ الصحة في جامعة جرونينجين، في هولندا، متحدثا باسم مؤسسة العمل الصحي الدولي، أن هناك بعض الفوائد السريرية لبعض فئات المرضى، لكن هذه لا تبرر فرق السعر الهائل، مضيفا أن “نظائر الأنسولين أيضا غير ضرورية لعديد من الفئات الأخرى من مرضى السكري”.
من بين أنصار نظائر الأنسولين، “برنامج الترجمة المعرفية” من مستشفى سانت مايكل الكندية، التي قدمت طلبا بإدراج نظائر الأنسولين في قائمة الأدوية الأساسية، وجادلت هذه المؤسسة بأن إدراج النظائر كأدوية أساسية سيخفض الأسعار في نهاية المطاف.
ويرى المعارضون أن هذا لا يمكن أن يحدث حقا دون وضع مزيد ومزيد من المنتجات المثيلة في السوق التي تهيمن عليها الآن ثلاث شركات للأدوية فقط.
وأبدت هيئة “الاستعراض التقني” التابعة لمنظمة الصحة العالمية أيضا معارضتها لإدراج نظائر الأنسولين الجديدة في قائمة الأدوية الأساسية “في هذه المرحلة”.
ورحب كثير من منظمات المجتمع المدني بالتصريحات التي أدلى بها المختصون بأن منظمة الصحة العالمية قد تدرج الأنسولين كجزء من “برنامج التأهيل المسبق للأدوية” باعتباره خطوة في الاتجاه الصحيح.
وتقوم منظمة الصحة بتأهيل بعض العقاقير الجديدة التي تعد ضرورية للبلدان النامية، وقد وسعت تدريجيا أنواع العقاقير التي تقيِّمها، مشيرة إلى أنه عند تضمين الأنسولين في برنامج التأهيل الخاص بها، عندها يمكن الحصول على منافسة ذات مغزى.
وجرت نقاشات ساخنة بين ممثلي صناعة الأدوية والمجتمع المدني في الجلسة المفتوحة للصحافيين بشأن بعض النتائج والتوصيات الصادرة عن اجتماع الفريق العامل المعني بأدوية السرطان التابع لمنظمة الصحة العالمية حول قائمة أدوية السرطان الأساسية والتقرير التقني.
وأوصى التقرير، الذي نظر في كيفية إدراج علاجات السرطان باهظه الثمن في قائمة الأدوية الأساسية لمنظمة الصحة العالمية، بأن تتبنى المنظمة عنصر مدة بقاء مريض السرطان على قيد الحياة كمعيار الأهلية الرئيس لإدراج دواء السرطان المقترح على قائمة الأدوية الأساسية.
وجرت نقاشات طويلة وتفصيلية لتحديد فترة البقاء على قيد الحياة، وربط هذه الفترة بكل نوع من أنواع السرطان، ومكان وجوده، ووقت تشخيصه، وبدء العلاج.
إلا أن توماس كويو، ممثل الاتحاد الدولي لمصنعي الأدوية والمواد الصيدلانية، عارض معايير البقاء على قيد الحياة كعنصر حاسم في تقرير إدراج الأدوية، قائلا “إنه يحتمل أن يتم إهمال عديد من العلاجات ذات القيمة السريرية الكبيرة”.
وقال الاتحاد “إن التقرير التقني لمنظمة الصحة العالمية اعتمد اعتمادا مفرطا على بيانات قديمة في دراسة مسألة معدل البقاء على قيد الحياة، في حين هناك معايير أخرى إلى جانب معدل البقاء على قيد الحياة ينبغي أن تؤخذ في الحسبان عند تقييم أدوية السرطان”.
وأضاف، أنه “ينبغي ألا تستخدم قائمة الأدوية الأساسية لمنظمة الصحة العالمية كأداة للتقليل من قيمة الأدوية التي تعدها السلطات التنظيمية الوطنية مأمونة وفعالة”.
وترى مؤسسة المعرفة الصحية الدولية أنه ينبغي إنشاء قائمة خاصة لأدوية السرطان الأساسية وغيرها من العلاجات التي ستكون ضرورية، إذا توافرت بأسعار معقولة.
وأضافت “إذا كانت الأدوية فعالة من الناحية الطبية، لكنها مكلفة، ينبغي وضعها في قائمة المنظمة للأدوية الأساسية لكن في فئة أخرى يمكن أن تسمى “أدوية ضرورية طبيا لكن تواجه تحديات بشأن القدرة على تحمل التكاليف”. وفي هذه الحالة ستأخذ الحكومات هذه الفقرة كإشارة لتنفيذ سياسات لجعل هذه العلاجات الفعالة طبيا بأسعار معقولة”.
وأشارت إلى أن نظام التوجيه الطبي الذي يتجاهل أو يستبعد باستمرار أدوية جديدة للسرطان يحتاج إلى إصلاح، وهناك حاجة إلى خيارات جديدة للتعامل مع القدرة على تحمل التكاليف والوصول إلى هذه الأدوية إذا كانت هناك جدية في تحقيق المساواة في النتائج الصحية.
في مجال آخر، أوصت لجنة الخبراء في منظمة الصحة بتوسيع التصنيف الجديد الثلاثي المراحل للمضادات الحيوية، الذي تم إدخاله في قائمة منظمة الصحة خلال مراجعة 2017.