باسكال سوريوت يكتب.. التغير المناخي ومستقبل الرعاية الصحية
يسلط مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين للتغير المناخي (COP28)، الذي ينعقد في الإمارات، في وقت لاحق من هذا العام، الأضواء على عواقب تغير المناخ التي يصارع العالم لمواجهتها؛ بدءا بارتفاع درجات الحرارة وتناقص احتياطيات المياه، وانتهاء بتلوث الهواء المتزايد باستمرار. هذه ليست أفكارا مجردة بل حقائق ضاغطة على الأرض.
لكن هناك أيضا أزمة موازية تنال اهتماما أقل، وهي التداعيات المقلقة لهذا التغير البيئي على صحة البشر؛ فنحن لا نشهد طفرة في الأمراض المعدية والأمراض المزمنة فحسب، بل إن هوة الفوارق الصحية المتسعة باستمرار تُفاقم الضغط على البنية التحتية المجهدة بالأساس للرعاية الصحية، حيث لا تزال تعاني من تبعات جائحة “كوفيد-19”.
كما أن الأشخاص المصابين بأحد أمراض القلب أو الرئة أو التمثيل الغذائي، وكلها مشاكل صحية منتشرة فعليا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يكونون عرضة أكثر من الآخرين لمخاطر الحرارة الشديدة. كما يواصل القاتل غير المرئي، وهو تلوث الهواء، حصد المزيد من الأرواح. وتكشف إحصائيات مروعة صادرة عن البنك الدولي أن كثيرا من مدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتنفس هواء يعتبر بين الأكثر تلوثا في العالم، مما يتسبب في وفاة عدد كبير من الأشخاص يصل إلى 270 ألف شخص سنويا.
وإلى جانب هذه المأساة الإنسانية، هناك تداعيات اقتصادية شديدة؛ فاعتلال الصحة يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، وزيادة اللامساواة، وإجبار الناس على الهجرة. وإذا علمنا أن قرابة 5 في المئة من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري في كوكبنا تصدر عن قطاع الرعاية الصحية، وتصل النسبة إلى 8 في المئة في بعض الاقتصادات المتقدمة كالولايات المتحدة، فإن هناك حاجة واضحة إلى جهود جماعية من داخل هذا القطاع وخارجه.
وقد تحقق بعض التقدم؛ فالتزام وزراء الصحة في مجموعة العشرين بتوفير أنظمة صحية مرنة ومنخفضة الكربون يوفر الأمل، وقرار مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي بإعطاء الأولوية للمناخ والصحة لأول مرة منذ قرابة ثلاثة عقود يمثل خطوة مهمة، لكن مسؤولية الشركات واتخاذ خطوات بقيادة القطاع الخاص عامل ضروري أيضا. ولهذا السبب كثفت “أسترازينيكا” جهودها للمساعدة في إحداث التغيير.
ويعمل فريق عمل الأنظمة الصحية في مبادرة الأسواق المستدامة، التي أطلقها جلالة الملك تشارلز الثالث عندما كان أميرا لويلز، على نطاق واسع، ومن دواعي فخري أنني شاركت في اجتماعاته. وفي وقت سابق من هذا العام، استحدثنا معايير مشتركة للموردين في مجال الكربون والمياه والنفايات. كما نعمل أيضا على استحداث أدوات لقياس انبعاثات الكربون من منتجات الرعاية الصحية، في محاولة لزيادة الشفافية والمساءلة عن قياس الانبعاثات في قطاعنا.
وتتخذ “أسترازينيكا” أيضا خطوات ملموسة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتخفيض الكربون في مسارات رعاية المرضى. وفي الأسبوع الفائت، افتتحنا مكتبا آخر صديقا للبيئة في دبي، وهو الثاني في المنطقة بعد مصر. وعلى العموم، فإن شركتنا تسلك المسار الصحيح نحو خفض الانبعاثات الناتجة عن عملياتنا العالمية وأسطول مركباتنا بنسبة طموحة تبلغ 98 في المئة بحلول عام 2026 وخفض انبعاثات الكربون من سلسلة القيمة لدينا إلى النصف بحلول عام 2030.
لكن الأمر لا يقتصر على تخفيف الانبعاثات فقط، بل يتعلق بتعزيز النظم الصحية التي تعتمد عليها المجتمعات المزدهرة.
وقد جمعت الشراكة من أجل استدامة النظام الصحي ومرونته- التي شاركت في تأسيسها “أسترازينيكا” والمنتدى الاقتصادي العالمي وكلية لندن للاقتصاد- شخصيات بارزة في الأوساط الأكاديمية وقطاع الأعمال والرعاية الصحية في محاولة لتعزيز النظم الصحية في مواجهة الأخطار الحالية والتهديدات المستقبلية. وإنه لأمر مشجع ومهم أيضا أن نرى أن الأثر العالمي للمبادرة يشمل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وإضافة لما سبق، فإن إعطاء الأولوية للكشف المبكر عن الأمراض والوقاية منها وعلاجها أمر جوهري لسد فجوة الإنصاف، والحفاظ على صحة الناس، وتمكين الأنظمة الصحية من التكيف مع الوقائع الجديدة لتغير المناخ.
ويقدم برنامجنا لرعاية مرضى السرطان في أفريقيا، حيث نعمل مع شركاء محليين لتحسين رعاية سرطان الثدي والبروستاتا والرئة في مصر والمغرب والجزائر وكينيا، مساعدة مهمة للمصابين بهذه الأمراض. وقد أسهمت هذه الجهود في نيل شركتنا أحد المراكز الثلاثة الأولى في مؤشر الحصول على الدواء.
ولكن ارتفاع درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعدل يبلغ ضعفي المتوسط العالمي، يفرض علينا العمل بجهد مضاعف لبناء القدرة على الصمود وتحقيق الإنصاف وتخفيف آثار تغير المناخ على صحة الإنسان.
ولهذا السبب فإن تعزيز التعاون في المنطقة، وتبادل أفضل الممارسات ووضع المعايير والمقاييس أمر بالغ الأهمية.
وإذا تمكنا من إثبات أن قطاع الرعاية الصحية يمكن أن يصبح أكثر استدامة بكل معنى الكلمة، فإن ذلك سيكون مصدر إلهام للآخرين.
لذلك، مع انتهاء الاستعدادات النهائية لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين للتغير المناخي، ستكون “أسترازينيكا” حاضرة، إلى جانب كثير من شركائها، ليس كمراقبين بل كرواد في مكافحة أهم حالة طوارئ صحية عامة في عصرنا، ألا وهي أزمة المناخ
باسكال سوريوت، الرئيس التنفيذي لشركة أسترازينيكا للأدوية
نقلا عن مجلة المجلة