سوق الدواء
كل ما تريد معرفته عن سوق الدواء

المهندس أحمد هلال يكتب.. إنشاء الغرف النظيفة في صناعة الدواء.. «الطريقة المثلى والدروس المستفادة»

الغرف النظيفة مصطلح ظهر منذ ستينيات القرن العشرين، بعد أن عرّفها الفيزيائي والباحث الأمريكي واليس وايتفيلد، لتصبح منذ ذلك الوقت عنصرًا أساسيًا في العديد من الصناعات والقطاعات الحيوية. فقد امتد استخدامها من صناعة الدواء والصناعات الصحية والتجميلية، إلى صناعة الرقائق الإلكترونية وعلوم الفضاء والمعامل البحثية، فضلًا عن غرف العمليات والتعقيم وغيرها من المجالات المتقدمة.

ويُقصد بالغرف النظيفة، في أبسط تعريفاتها، البيئات التي تخضع لرقابة صارمة ومستمرة لمستوى النظافة الداخلي، بحيث لا تتجاوز نسب الجزيئات العالقة أو الأحياء الدقيقة الحدود المقررة وفقًا للمعايير الدولية المنظمة لإجراءات التصنيع الجيد، وعلى رأسها المواصفة القياسية (ISO 14644). ولا يقتصر الأمر على التحكم في مستوى التلوث، بل يشمل أيضًا ضبط العوامل البيئية مثل درجات الحرارة والرطوبة، إلى جانب التحكم في مؤثرات إضافية كالكهرباء الإستاتيكية وشدة الصوت والاهتزازات وسلامة الأفراد.

وتبرز أهمية الغرف النظيفة في كونها محورًا رئيسيًا في الصناعات الدوائية وغيرها، حيث يبدأ التعامل معها منذ مرحلة دراسة الجدوى، مرورًا بالتخطيط والتنفيذ والتسليم، وصولًا إلى التشغيل اليومي، وحتى عند اتخاذ قرارات استراتيجية تتعلق بتوسيع الطاقة الإنتاجية أو تعديل تصميم المساحات.

وقد اتجه الاهتمام مؤخرًا إلى أنظمة الغرف النظيفة سابقة التجهيز، وهي حلول متكاملة تُنفذ وفقًا لمتطلبات كل عميل واحتياجات منشآته والمساحات المتاحة له. ويستلزم ذلك إعداد توصيف دقيق للمشروع منذ البداية، اعتمادًا على “وثيقة متطلبات المستخدم” التي تحدد الاشتراطات الأساسية وتُبنى عليها مراحل التصميم والمراجعة، بما يضمن أن يكون المشروع قابلًا للتنفيذ ومطابقًا لمعايير الجودة ومحققًا لتطلعات المالك والمستخدم على حد سواء.

أولًا: عند ابتداء دراسة المشروع
وثيقة متطلبات المستخدم: وهي الوثيقة التي يضع فيها المستخدم – وهو هنا المعني باستخدام هذه الغرف في النهاية – متطلباته، وعليه أن يأخذ في الاعتبار بعض المتطلبات العامة لكي تكون الغرف النظيفة ناجحة ومطابقة للمواصفات وقابلة للتنفيذ والإجازة من الجهات المعنية بإجازة المشروعات التي تتعلق بالصحة. وهذه أمثلة على ذلك:
1- الأسطح: لابد أن تكون الأسطح في الغرف النظيفة ملساء وناعمة حتى يتم تقليل التصاق الجزيئات والأتربة بها، كما يجب أن تكون سهلة التنظيف ومغلقة بشكل لا يسمح بدخول أو خروج أي شيء من خلالها، كما يجب أن تكون سليمة تمامًا غير مكسورة أو مشوهة بحيث تؤدي لزيادة الجزيئات أو الأجسام الميكروبية في الغرف النظيفة.
2- الأجهزة والفرش: داخل الغرف النظيفة لابد أن يكون الفرش والأجهزة فقط على قدر المطلوب بحيث لا يؤدي ذلك لتراكم الأتربة والجزيئات عليها.
3- السقف المعلق: سقف الغرف النظيفة لابد أن يكون مغلقًا ومحكمًا تمامًا أينما وجد.
4- التوصيلات: مثل التوصيلات الكهربائية ومواسير إمداد المياه والهواء المضغوط… إلخ، لابد أن تُركب بطريقة تحافظ على إحكام إغلاق الغرف النظيفة وعدم انتقال أو رفع لقيم الأتربة والجزيئات.
5- الصرف: يمنع الصرف داخل الأماكن العقيمة داخل الغرف النظيفة وأشباه هذه المناطق.
6- غرف عزل الهواء: وهي غرف مهمة جدًا لحفظ الغرف النظيفة عند المستويات المطلوبة وعدم خلط الهواء داخلها بهواء أقل منها نظافة، وتُستخدم هذه الغرف دائمًا عند الأماكن التي يتم استخدامها لدخول الأفراد أو المنتجات أو خروجها بحيث تحتاج هذه الأماكن إلى فتح الغرف النظيفة على أماكن أقل منها أو تساويها.
7- لابد من الأخذ في الاعتبار محددات أخرى كثيرة مثل: الإضاءة، مقاومة الحريق، وقابلية النظام للتغيير… إلخ.

ثانيًا: عند التخطيط للمشروع
عند التخطيط للمشروع لابد أن يأخذ فريق العمل في الحسبان مجموعة من النقاط المهمة:
1- الرسم الهندسي التصميمي للمكان:

  • يتم تجهيز الرسم الهندسي في مرحلة التصميم لمكان الإنتاج الذي سيتم إنشاء الغرف النظيفة خلاله، ولابد من مراعاة أن يكون التصميم مهيأً لاستخدام المساحات بحكمة بحيث لا يحدث هدر للمساحات أو تقليص لمساحات بشكل يصعب معه تركيب الماكينات أو القيام بعملية إنتاجية ناجحة.
  • كما تتم مراعاة أن الغرف النظيفة هي نظام كامل يتقاطع مع أنظمة أخرى داخل المنطقة الإنتاجية، فأنظمة مثل تكييف الهواء أو نظام إطفاء الحريق أو المسارات الكهربائية وإمدادات المياه… إلخ ستتقاطع بشكل أكيد مع مكونات نظام الغرف النظيفة، وعليه لابد من أخذ هذه التقاطعات في الاعتبار وحلها هندسيًا بداية من مرحلة التصميم.
  • لابد من مراعاة أن المساحات الإنتاجية ستتأثر بعوامل مثل سمك حوائط الغرف النظيفة أو أماكن توزيع رواجع التكييف الحائطية، فلابد من أخذ ذلك في الاعتبار.
  • توزيع الماكينات الإنتاجية وأماكنها من الأمور التي يجب الاهتمام بها منذ مرحلة التصميم.
  • المسارات المختلفة التي يتم تنظيمها وفقًا لإصدارات قواعد التصنيع الجيد المحدثة مثل مسارات الأفراد داخل منطقة التصنيع ومسارات المنتج (بأشكاله سواء كان مواد خام أو مواد تعبئة وتغليف أو منتجًا نهائيًا… إلخ)، وكذلك مسارات المخلفات بأنواعها، لابد أن تُراعى في مرحلة التصميم.
  • الأبواب وأماكنها واتجاه فتحها حيث يؤثر ذلك على ضغط الغرف والحركة داخل الممرات الداخلية.

2- اختيار مواد التصنيع: المواد التي يتم استخدامها في أنظمة الغرف النظيفة سابقة التجهيز اليوم تنقسم إلى:

  • مواد معدنية (مثل الحديد المجلفن المدهون – الألومنيوم – الفولاذ المقاوم للصدأ Stainless steel).
  • مواد غير معدنية مثل (HPL – GRP).
    ويجب مراعاة عدة عوامل عند اختيار مواد نظام الغرف النظيفة، منها: خصائص الحركة والاصطدام والخواص الميكانيكية للمواد المستخدمة، درجات الحرارة والرطوبة داخل الغرف، مقاومة النظام للحريق، العزل الصوتي والحراري، وكذلك تأثير المنظفات ومواد التعقيم على الأسطح.
    كما يجب فهم أن نظام الغرف النظيفة هو نظام متكامل مكون من أجزاء كثيرة، وعلى فريق المشروع أخذ ذلك بالاعتبار، حيث إن أجزاء كالهياكل الداخلية أو عوازل الهواء أو الأجزاء الكهربائية قد يكون لها تأثير كبير في إنشاء وتشغيل الغرف النظيفة.

ثالثًا: عند التركيب

  • تركيب الغرف النظيفة يحتاج إلى فرق مدربة وخطوات هندسية واضحة:
  • الرفع المساحي للموقع لتجهيز رسومات الواقع المنفذ بشكل دقيق.
  • لابد من الاهتمام في هذه المرحلة والمرحلة السابقة لها (التخطيط) بالمستوى الأفقي للأرض التي سيتم تركيب النظام عليها، حيث إن الفروق الكبيرة وغير المنتظمة في الارتفاعات على المستوى الأفقي قد تؤدي لمشكلات في الحوائط والأبواب بشكل خاص.
  • تركيب الأسقف والحوائط مع مراعاة أن نظم الغرف النظيفة المعدة مسبقًا أنظمة مرنة، وعليه لابد أن تكون طريقة التركيب تعكس هذه المرونة مستقبلًا بحيث يمكن مثلًا تحريك أحد حوائط المشروع دون الإضرار بالسقف.
  • تركيب مخارج التكييف وهو من أهم النقاط التي قد تسبب مشكلات إذا لم يتم تركيبها بشكل صحيح، حيث أبعاد تقطيع فتحات المخارج وشكلها وتناسبها مع المخارج نفسها وكيفية عمل إحكام الهواء بحيث لا يحدث تسريب من خلالها إلى الغرف النظيفة. كما أن تركيب فتحات الكهرباء ومداخل المرافق الهندسية للغرف يحتاج إلى نفس القدر من الاهتمام خلال مرحلة التركيب.
  • الأبواب من أكثر عناصر النظام أهمية، فهي التي تصل الغرف النظيفة بمحيطها، وهي أكثر ما يتم استخدامه وإهلاكه في المشروع وأكثر ما يتم التعامل معه من قبل فرق الإنتاج وغيرها، وعليه فإن الاهتمام بالهيكل الحامل للباب ومفصلات الحركة وعوازل إحكام الهواء وأجهزة الغلق التلقائي أمور في غاية الأهمية.
  • تركيب الملحقات مثل صناديق تسليم العينات أو فتحات الماكينات وأمثالها مما قد يضع أحمالًا رأسية على الحوائط بشكل قد يحتاج إلى تدعيم.

رابعًا: اختبار الغرف النظيفة وتسليمها
مرحلة اختبار الغرف النظيفة هي المرحلة التي يتم من خلالها الحكم على مدى مطابقتها لمتطلبات الإصدارات العالمية والمحلية المنظمة لإجراءات التصنيع الجيد، وأشهر هذه الإصدارات هو الأيزو 14644، إضافة إلى إصدارات منظمة الصحة العالمية WHO، وكذلك الإصدارات الخاصة بالاتحاد الأوروبي أو هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، وكذلك الإصدارات الخاصة بالدول أو الجهات التي يمكن أن يصدر لها مكان التصنيع منتجاته.

خامسًا: بعض الدروس المستفادة
كما أن فيليب والس الكاتب الأمريكي كتب كتابًا بعنوان كيف تخسر معركة وضمنه كيف خسر أكبر القادة حروبًا بقرارات وأسباب كارثية، كذلك وحتى لا نخسر “حرب الغرف النظيفة” علينا أن نأخذ في الاعتبار بعض النقاط المهمة جدًا:

  • الاهتمام باختيار ما يناسب المشروع من أنظمة ومواد متوافقة مع طبيعة العمل والمواد المستخدمة والتكلفة الإجمالية، فإهمال ذلك قد يكلف خسائر كبيرة سواء في العائد أو في استمرارية الغرف أو سرعة انهيارها.
  • الاهتمام بالرفع المساحي ورفع الواقع قبل المشروع والذي يجب أن يتم من خلال فريق التنفيذ، فأماكن أعمدة المبنى أو طول حائط وُضع على الرسمة بشكل خاطئ قد يؤدي إلى خسائر مؤكدة. تذكر أن نظام الغرف النظيفة أُعد وصُمم لموقع بعينه، لذا يجب التدقيق في هذه التفاصيل.
  • الاهتمام بمراجعة الرسومات الصادرة للتصنيع قبل التنفيذ، والتي تُظهر المناظير الأمامية للحوائط أو مسقط السقف وتفاصيل الألواح وأرقامها والتفتيحات وأماكن الأبواب والزجاج والمرفقات، حيث يؤدي ذلك إلى تقليل فرص إعادة الأعمال أو إهدار الأجزاء المُصنعة.
  • وضع العلاقات مع الأنظمة المتقاطعة مع نظام الغرف النظيفة والتنسيق مع جميع فرق التنفيذ يزيد فرص نجاح المشروع، بينما إهمال ذلك قد يؤدي إلى مشكلات جسيمة.
  • مراعاة أماكن ماكينات الإنتاج وعلاقتها بالحوائط والأسقف.
  • اختيار نوعية وشكل وتنفيذ مواد إحكام الغلق والهواء (مثل السيليكون) أمر بالغ الخطورة، فرغم بساطته فإن إهماله يؤدي إلى تسريبات أو تشوه للأسطح عند التنفيذ الخاطئ.

هذه بعض النقاط، والمجال مفتوح لملاحظات أكثر بكثير، لكن من المؤكد أن أنظمة الغرف النظيفة اليوم تُعد من أهم وأدق الأنظمة في الصناعات الدوائية وما يرتبط بها.

المهندس أحمد هلال

مدير الإدارة الهندسية بشركة جمجوم فارما مصر

اترك تعليق