يُمكن أن تساهم الأدوية النانوية في علاج أمراض مستعصية كالسرطان.. وإصلاح تلف المادة الوراثية الناجم عن الإشعاع أو التلوث الكيميائي، حيث يتكون جسد الإنسان من بلايين الجزيئات النشطة، والخلايا التي تتفاعل مع بعضها البعض مُنتجة جسيمات صغيرة الحجم دقيقة التركيب لا يتعدي قُطر بعضها بضعة نانونات، وحين يتسبب خلل ما في تلك الجزيئات/ الجسيمات، تبدأ صحتنا في التدهور، ونُصاب بالأمراض الفتاكة، التي ربما ينجم عنها الوفاة.
وخلال العقود الماضية، يُحاول العلماء فهم الجسم بصورة أكبر على المستوى الجزيئي، في محاولة لصناعة العديد من العقاقير النانوية، التي تستهدف مواطن الخلل في الخلايا، وتحاول إصلاحه.
وبحسب دراسة، نُشرت نتائجها مؤخرًا، سيصل حجم سوق المستحضرات الطبية النانوية إلى أكثر من 79 مليار دولار – نحو 1420 مليار جنيه مصري- عام 2026، وتقول الدراسة إن العمل في شركات الأدوية يجري على قدم وساق لاعتماد استراتيجيات جديدة من شأنها إحداث ثورة في صناعة الأدوية النانوية.
رغم أن علوم النانو لا تزال حديثة نسبيًا، إلا أنها سريعة التطور، وبحسب دراسة نُشرت مؤخرًا، فإن الجمع بين تكنولوجيا النانو والعلوم الطبية الحيوية والصيدلانية يُمكن أن يجلب الكثير من الفوائد الدوائية، تشمل تعزيز فعالية المستحضرات، ورفع سلامتها، وتحسين ذوبانها وحركتها الدوائية، وانخفاض سُميتها وزيادة انتقائيتها للأنسجة.
وبالفعل، تطور الآن مجموعة من المعامل المتخصصة والشركات الصيدلانية مجموعة من الأدوية والعقاقير التي ستحظى بمكانة متميزة في سوق الدواء في المستقبل، ويرصد التقرير، استناداً على بعض الدراسات العلمية، وكتاب «استشراف المستقبل.. ثورة التكنولوجيا النانوية» لـ«إريك دريسكلر» و«كريس بيترسون» و«جايل برجاميت» مجموعة من الأساليب التي تستخدم وستستخدم في المستقبل القريب كمبدأ لعمل الأدوية النانوية، وأيضًا مدى تفاعل أجسادنا مع تلك العقاقير.
وبحسب الكتاب، فإن قدرة الطب الحالي على التعامل مع الإنسان محدودة بعاملين، أولهما مدة فهم الطب بشكله الحالي للأمراض، والثاني، مدى امتلاكه لأدوية لعلاج تلك الأمراض، وسوف تؤدي التطورات في التكنولوجيا النانوية إلى التوصل لأدوات ستساهم في فهم أفضل للأمراض، كما ستتمكن الأدوية النانوية من علاجها، ما سينجم عنه توسيع في قدرات الطب للتعامل مع الأمراض المختلفة، وعلى رأسها السرطان، والالتهابات الدماغية، وأمراض القلب الوعائية.
هناك نوعان من الأدوية النانوية، تلك التي تعمل خارج الأنسجة، والأخرى التي تعمل داخل الخلايا.
في النوع الأول؛ يقوم العلماء باستخدام أجهزة مجهرية وجزيئات تستهدف المناطق المريضة المكشوفة من جسم الإنسان، فعلى سبيل المثال؛ الجلد هو أكبر أعضاء جسم الإنسان، وبحكم كونه معرضًا للجو، يُصبح عرضة أكبر للأذى، وحاليًا يعمل الباحثون على استخدام تقنيات التصنيع الجزيئي لجعل المستحضرات الطبية أكثر كفاءة عبر استهداف العوامل المُمرضة في الجلد، فمثلاً يُمكن استخدام مجموعة من الدهانات لحماية البشرة من نوع محدد من البكتيريا المنتشرة في جو دولة ما، كما يمكن تصنيع غسول للفم مثلاً يتعرف على البكتيريا الممرضة ويدمرها، ويسمح للكائنات الدقيقة النافعة الموجودة في الفم بالنشاط في بيئة صحية ملائمة لها.
ولو ذهبنا إلى أبعد من العلاج السطحي، يُمكن أن توفر العقاقير النانوية وسيلة لتعديل الخلايا والأنسجة دون دخولها، كما يعمل العلماء الآن على تصميم غواصات نانوية تسبح في مجرى الدم، تحمل مجموعة كبيرة من البيانات التي تجعلها قادرة على تطبيق مقارنات بين الخلايا السليمة والخلايا المريضة، كما تحمل في الآن ذاته جسيمات دقيقة قادرة على تعديل الخلل في الخلايا والأنسجة أو تدمير الجزيئات الورمية أو تحفيز الجهاز المناعي على تدمير السرطانات.
يُمكن أن تعزز الأدوات النانوية الطبية الجهاز المناعي وتمكينه من اكتشاف البكتيريا والجراثيم غير المرغوب بها، كما ستتمكن من «أكل» العوامل الممرضة الأخرى -كالفيروسات- والاحتفاظ بها داخلها دون أدنى ضرر، تمهيدًا لطردها خارج الجسم بطرق الإخراج الطبيعية، كالبول والبراز والعرق.
في الغالب؛ يتعرف الجهاز المناعي على الخلايا السرطانية ذات النشاط المفرط ويدمرها في الحال، ويتكون داخل الجسم بصورة شبه يومية الخلايا السرطانية إلا أن الجهاز المناعي في الغالب يتخلص منها بطريقة سليمة، تتكون السرطانات المختلفة حال هروب الخلايا مفرطة النشاط من الجهاز المناعي، بسبب عدم تعرف ذلك الجهاز عليها، والآن، يُحاول العلماء تصميم جزيئات نانوية مبرمجة، تُعزز من قدرات الجهاز المناعي، وتقوم بإرشاده إلى الخلايا السرطانية تمهيدًا لتدميرها.
وقد نجح مجموعة من الباحثين بالفعل –حسب ورقة علمية منشورة مؤخرًا في دورية سيل- من تحديد آليات مقاومة سرطانات الجلد للعلاج، وهي الخطوة الاولى التي ستساعد مستقبلاً في تصميم أدوية نانوية تستهدف الأورام عبر إرشاد الجهاز المناعي للخلايا الورمية المُسببة للانقسام المفرط المؤدي للسرطان.
لا يقتصر استخدام الأدوية النانوية التي تعمل خارج الأنسجة على العلاج فحسب، بل يُمكن أيضًا استخدامها في إعادة بناء الخلايا التالفة، فمثًلا؛ يُمكن أن تساعد العقاقير النانوية على إصلاح التلف الحادث في الجلد جراء الحروق مثلاً، عبر تحفيز إنتاج الكولاجين، كما يُمكنها أيضًا إحداث ثورة في علاج أمراض القلب الوعائية عن طريق إصلاح التلف الناجم عن الجلطات داخل الشرايين التاجية، كما يُمكنها أيضًا «تنظيف» تلك الشرايين عبر إزالة ترسيبات الكوليسترول الضار والكالسيوم من داخلها، وهو أمر وقائي يُمكن أن يساعد في منع الجلطات القلبية والدماغية.
أما في طب الأسنان، فيُمكن استخدام الأدوية النانوية التي تعمل خارج الأنسجة لملء ثقوب الأسنان، بعاج ومينا طبيعية تُشبه إلى حد التطابق مينا الأسنان عند الشخص المُصاب بالتسوس مثلاً، كما يُمكن استخدام نفس الأدوية لحشد خلايا تُدمر الالتهابات الموجودة في المفاصل، أو إزالة الأنسجة المتكلسة منها، أو تنظيم المادة الموجودة بين المفاصل لمنع الاحتكاك.
النوع الثاني للأدوية النانوية التي ستعمل من داخل الخلايا يُمكن استخدامها في الإصلاحات الجزيئية، وإزالة التلف من الشريط الوراثي «دي إن إيه» الناجم عن الإشعاع أو التلوث الكيميائي، كما ستستطيع تلك الأدوية تصحيح الأمراض الناجمة عن سوء تنظيم إرسال الجزيئات والبروتينات بين الخلايا وبعضها البعض.
فعلى سبيل المثال، يُمكن أن تساهم العقاقير النانوية في حل مشكلة السكري، وهو أحد أكبر مسببات الوفاة والعجز المرضى في أنحاء العالم، ويعمل الباحثون الآن على تصميم جزيئات نانوية محملة بأنسولين طبيعي، تحقن لمرة واحدة داخل الدماء، وتسبح في الدورة الدموية لتقيس مستويات الأنسولين، ثم تقوم بضخ الأنسولين حال انخفاض المستوى عن المسموح به.