الدكتور شريف كمال يكتب.. أتمتة صرف الأدوية: الثورة التكنولوجية في الرعاية الصحية ضرورة حيوية
التطورات في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي قد أحدثت ثورة في صناعة الرعاية الصحية، ومن بين هذه التطورات تأتي أتمتة صرف الأدوية كمجال حيوي ومهم في تحسين جودة الرعاية الصحية وتحقيق ميزات اقتصادية كبيرة.
في هذه المقالة، نستعرض مميزات أتمتة صرف الأدوية والمردود الاقتصادي لهذه التقنية، بالإضافة إلى توضيح أنها ليست مجرد رفاهية بل ضرورة حيوية لتحسين نتائج المرضى وتقليل التكلفة العامة للرعاية الصحية.
أتمتة صرف الأدوية لها مميزات كثيره ومنها دقة وتجانس الصرف حيث تقلل الأتمتة من الأخطاء الناجمة عن الصرف اليدوي للأدوية، مما يزيد من دقة العملية ويقلل من فرص الأخطاء الطبي، وتشمل، تقليل الزمن والجهد حيث يساهم في توفير الوقت والجهد اللازمين لصرف الأدوية، مما يسمح للفريق الصحي بتركيز جهودهم على أمور أخرى مهمة في الرعاية الصحية.
وتضمن أتممة صرف الأدوية متابعة مستمرة حيث يمكن لأنظمة الأتمتة متابعة تناول الأدوية بشكل مستمر وتنبيه الفريق الصحي حالة وجود أي مشكلات أو تداخلات دوائية، وبالإضافة إلى توفير الوقت والجهد، يمكن لأتمتة صرف الأدوية تقليل التكلفة العامة للرعاية الصحية من خلال تحسين استخدام الموارد وتقليل الأخطاء الطبية التي قد تؤدي إلى تكاليف إضافية.
مردود اقتصادي
ويشمل المردود الاقتصادي لأتمتة صرف الأدوية، تحسين كفاءة الرعاية الصحية وتساهم الأتمتة في تحسين كفاءة عملية صرف الأدوية، مما يعزز جودة الرعاية ويحسن تجربة المرضى، ويمكن للأتمتة تقليل التكاليف العامة للرعاية الصحية عبر تحسين إدارة الأدوية وتقليل الأخطاء الطبية وتحسين استخدام الموارد.
ويمكن أيضا لأنظمة الأتمتة تقليل الأخطاء الطبية المرتبطة بصرف الأدوية، مما يحسن سلامة المرضى ويقلل من التكاليف المرتبطة بالمضاعفات الصحية.
ولذلك فان الأتمتة في صرف الأدوية ليست مجرد رفاهية أو تطور تكنولوجي للإرضاء الشخصي، بل هي ضرورة حيوية تأتي في إطار تحسين جودة الرعاية الصحية وتحقيق الكفاءة الاقتصادية، حيث تلعب الأتمتة دوراً حاسماً في تحسين تجربة المرضى وسلامتهم، وفي تقليل التكاليف والأخطاء الطبية التي يمكن أن تكون غالباً ما تكون مكلفة وقد تضر بصحة المريض.
تحسين الجودة وتقليل التكاليف
عندما يتحدث البعض عن الأتمتة كرفاهية، فإنهم يفقدون منظور الأهمية الحقيقية لهذه التقنية، فالأتمتة تعزز الدقة والتجانس في صرف الأدوية، مما يقلل من فرص الأخطاء والمضاعفات التي يمكن أن تؤثر سلبًا على الصحة والحالة المالية للمريض والمؤسسة الصحية على حد سواء.
حيث تقوم الأتمتة بتحقيق توازن بين تحسين الجودة وتقليل التكاليف، مما يعني أنها ليست فقط مهمة للمرضى والعناية بصحتهم، بل هي أيضًا ضرورية لضمان استدامة الخدمات الصحية والاقتصادية للمؤسسات الطبية.
ومن الناحية الاجتماعية، تعزز الأتمتة توزيع العدالة في الرعاية الصحية، حيث تسهم في توفير الخدمات بشكل متساوٍ ومنصف لجميع الأفراد دون تمييز، وهذا يعزز المساواة في الوصول إلى الرعاية الصحية وتحسين حياة الناس بشكل عام.لذا، يجب فهم الأتمتة في صرف الأدوية كأداة أساسية وحيوية، والعمل على تعزيز استخدامها بشكل واسع لتحسين نتائج العلاج، وتحقيق الكفاءة والعدالة في الرعاية الصحية، دون إغفال هذه الجوانب الأساسية والمهمة.
ويعتبر البعض أن الأتمتة في صرف الدواء هي رفاهية نظرًا لعدة عوامل ومعتقدات، منها:
تكلفة التقنية: قد تكون أنظمة الأتمتة والتقنيات المستخدمة في صرف الأدوية مكلفة في البداية، وهذا يمكن أن يجعلها غير متاحة للمؤسسات الصغيرة أو المناطق ذات الموارد المحدودة.
تحديات التنفيذ والتدريب: قد يواجه القطاع الصحي تحديات في تنفيذ أنظمة الأتمتة بسبب احتياجات التدريب المكثفة للكوادر الصحية، وهذا يمكن أن يُعتبر عاملاً مؤثرًا في تصنيفها على أنها رفاهية.
فهم غير كافٍ للتقنية: قد يكون هناك نقص في الفهم الشامل لفوائد الأتمتة في صرف الأدوية ودورها الحيوي في تحسين الجودة وتقليل الأخطاء الطبية، مما يجعل بعض الأشخاص يرونها كخيار فاخر أو رفاهية ليست ضرورية.
تحديات الثقافة المؤسسية: قد تواجه بعض المؤسسات تحديات في تبني ثقافة التحول الرقمي والأتمتة، وهذا يمكن أن يؤثر على تقديرهم لأهمية الأتمتة في الرعاية الصحية.
مع ذلك، يجب التأكيد على أن الأتمتة في صرف الأدوية ليست رفاهية بالمعنى الحرفي، بل هي استثمار استراتيجي وضروري في تحسين الكفاءة والجودة والسلامة في الرعاية الصحية. ومن المهم توعية الجمهور والمؤسسات بفوائد الأتمتة ودورها الحيوي في تحقيق أهداف الرعاية الصحية المستدامة والمنصفة.
أيضًا، يمكننا أن ننظر إلى الأتمتة في صرف الأدوية على أنها استثمار ضروري لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية في مجال الرعاية الصحية. فالعالم يشهد تطورات سريعة في مجال التكنولوجيا والمعلومات، وهذا يتطلب تحديث وتطوير نظم الرعاية الصحية لتكون أكثر فعالية ومرونة.
وباختصار، أتمتة صرف الأدوية ليست مجرد تطور تكنولوجي، بل هي استراتيجية حيوية لتحسين الرعاية الصحية وتحقيق مردود اقتصادي ملموس.
و بالنظر إلى الأرقام والأموال المتعلقة بأتمتة صرف الأدوية، يمكننا الوقوف على قيمة هائلة تمثل المردود الاقتصادي الكبير الذي يمكن تحقيقه من هذه التقنية المتقدمة، وفقًا لتقارير عديدة، يمكن تحقيق توفيريات مالية هائلة عبر تبني أتمتة صرف الأدوية في مؤسسات الرعاية الصحية. على سبيل المثال:
توفير الوقت والجهد: يمكن للمؤسسات الصحية تحقيق وفر كبير في الوقت والجهد اللازمين لصرف الأدوية، وهذا يترجم مباشرة إلى تقليل التكاليف المرتبطة بأجور الموظفين وتشغيل الأنظمة.
تقليل الأخطاء والمضاعفات: بفضل دقة أتمتة صرف الأدوية، يمكن تقليل نسبة الأخطاء الطبية وبالتالي تقليل المضاعفات الصحية التي تستلزم تكاليف إضافية للمعالجة.
زيادة الكفاءة والإنتاجية: من خلال تحسين عمليات الصرف وتبسيطها، يمكن زيادة الكفاءة والإنتاجية في المؤسسات الصحية، مما يعزز العائد المالي بشكل مباشر.
تقليل التكاليف الإدارية: توفر أتمتة صرف الأدوية تقليصًا في التكاليف الإدارية المرتبطة بإدارة الأدوية والمخزون والتتبع، مما يسهم في تحسين هيكل التكاليف العامة للمؤسسة الصحية.
وفي نفس السياق ،اثبتت الدراسات تحقيق توفير يصل إلى عشرات الملايين من الدولارات سنويًا من خلال تبني أتمتة صرف الأدوية في المؤسسات الكبيرة، هذه الأموال يمكن توجيهها إلى تحسين الخدمات الصحية، توفير المزيد من الإمكانيات التكنولوجية، وتطوير المشاريع البحثية لتحسين الرعاية الصحية بشكل عام.
من الجدير بالذكر أيضًا أن أتمتة صرف الأدوية تسهم في تحقيق تحولات إيجابية على مستوى المجتمع والاقتصاد بشكل عام. على سبيل المثال:
تعزيز الابتكار والتطوير التكنولوجي: بتبني أتمتة صرف الأدوية، يتم تعزيز الابتكار والتطوير في قطاع الرعاية الصحية، مما يجذب الاستثمارات ويسهم في نمو الاقتصاد الرقمي وصناعة التكنولوجيا الطبية.
توفير فرص العمل وتعزيز القدرات البشرية: يمكن لأتمتة صرف الأدوية خلق فرص عمل جديدة في مجالات التكنولوجيا والصحة الرقمية، كما يساهم في تعزيز قدرات العاملين في هذه المجالات من خلال التدريب والتطوير المستمر.
تقديم الخدمات الصحية عبر الحدود: تسهم أتمتة العمليات في تحقيق توحيد المعايير وتبسيط الإجراءات، مما يسهم في تسهيل تقديم الخدمات الصحية عبر الحدود وزيادة التبادل التجاري في مجال الرعاية الصحية.
تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي: بتقليل التكلفة وتحسين جودة الرعاية الصحية، يمكن لأتمتة صرف الأدوية المساهمة في تحقيق التوازن بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع.
الجمعية الأمريكية للصيادلة
و على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، يشير تقرير من الجمعية الأمريكية للصيادلة (American Pharmacists Association) إلى أن تكلفة الأخطاء الطبية المرتبطة بالأدوية تصل إلى ما يقارب 30 مليار دولار سنويًا. ومن خلال تحسين دقة صرف الأدوية وتقليل هذه الأخطاء من خلال أتمتة العمليات، يمكن تحقيق توفيرات هائلة تساهم في تحسين الكفاءة الإدارية والمالية في المؤسسات الصحية.
وفي إطار الرعاية الصحية العالمية، تقدر منظمة الصحة العالمية أن هناك تكاليف هائلة مرتبطة بالأخطاء الطبية، حيث تصل إلى ما يقارب 15% من الإنفاق الصحي الإجمالي في بعض البلدان. بتبني أتمتة صرف الأدوية، يمكن تقليل هذه التكاليف بشكل كبير وتحقيق توفير تعزز الاستدامة المالية للنظام الصحي.
من الناحية الاقتصادية، يمكن تحديد الفوائد المالية لأتمتة صرف الأدوية من خلال تحليل النماذج الاقتصادية والدراسات الاقتصادية المتعلقة بهذا المجال. وفي هذا السياق، يُظهر العديد من الأبحاث والتقارير العالمية أن أتمتة صرف الأدوية تسهم بشكل كبير في تحقيق توفير مالية هائلة وتقليل تكاليف الرعاية الصحية بشكل عام.
منظمة الصحة العالمية
على سبيل المثال، تقرير من منظمة الصحة العالمية يشير إلى أن تبني تقنيات الأتمتة في صرف الأدوية يمكن أن يؤدي إلى تقليل تكاليف الأدوية بنسبة تتراوح بين 10 إلى 20 ٪. وفي الوقت نفسه، يمكن تقليل تكلفة العمالة والتدريب والإدارة بشكل كبير من خلال استخدام الأتمتة في هذا المجال.و تشير دراسات أخرى إلى أن الاستثمار في أتمتة صرف الأدوية يمكن أن يؤدي إلى توفير الموارد مالية تتجاوز مليارات الدولارات على المستوى الوطني والعالمي. هذه التوفير ياتي من خلال تقليل الأخطاء الطبية، وتحسين إدارة الموارد، وزيادة الكفاءة في عمليات صرف الأدوية.
استثمارًا حيويًا وضروريًا
باختصار، تعتبر أتمتة صرف الأدوية استثمارًا حيويًا وضروريًا في مستقبل الرعاية الصحية، حيث تجمع بين الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والتقنية، وتسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في مجال الصحة والرعاية الطبية.
لا يقتصر المردود الاقتصادي على توفير المال فقط، بل يشمل أيضًا تحسين نتائج المرضى وتقليل فترات العلاج والإنعاش، مما يعزز فرص الشفاء ويقلل من التكاليف الناجمة عن المضاعفات والمراجعات الطبية الإضافية.
باختصار، تشكل أتمتة صرف الأدوية ليست فقط تقنية متطورة بل هي استراتيجية شاملة تسهم في تحقيق تحولات إيجابية على مستوى الرعاية الصحية والاقتصاد والمجتمع بشكل عام. يجب على الجهات المعنية والمهتمين بالقطاع الصحي العمل معًا لتبني هذه التقنية بشكل فعال ومستدام، من أجل الاستفادة القصوى من مزاياها وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المرجوة.
التحكم في تكاليف الرعاية الصحية
علاوةً على ذلك، يمكن أن تسهم أتمتة صرف الأدوية في تعزيز قدرة الدولة على التحكم في تكاليف الرعاية الصحية وتخطيطها بشكل أكثر فاعلية. من خلال تحليل البيانات الضخمة التي يوفرها نظام أتمتة صرف الأدوية، يمكن للجهات الصحية والحكومية اتخاذ قرارات مستنيرة تعمل على تحسين توزيع الموارد وتحقيق الاستدامة المالية للنظام الصحي.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم أتمتة صرف الأدوية في جذب الاستثمارات الخارجية وتعزيز الشراكات الدولية في مجال الرعاية الصحية. فالتطور التكنولوجي والابتكار في هذا الجانب يجعل البلدان والمؤسسات الصحية أكثر جاذبية للاستثمارات والتعاون الدولي، مما يعزز التبادل المعرفي والتكنولوجي ويسهم في رفع مستوى الرعاية الصحية عالميًا.
تعزيز الشفافية والمساءلة
من الجدير بالذكر أيضًا أن أتمتة صرف الأدوية تعزز الشفافية والمساءلة في القطاع الصحي، حيث يمكن تتبع ومراقبة عمليات صرف الأدوية بشكل دقيق، مما يقلل من فرص الفساد والاحتيال ويضمن تقديم خدمات صحية عالية الجودة للمرضى.
علاوة على ذلك، يمكن أن تلعب الأتمتة دورًا هامًا في تعزيز الابتكار والبحث العلمي في مجال الصحة، من خلال جمع البيانات الضخمة وتحليلها لتطوير علاجات أكثر فعالية وتكلفة منخفضة، مما يعود بالنفع على المرضى والمجتمعات على حد سواء.
في الختام: يظهر أن أتمتة صرف الأدوية ليست فقط استثمارًا ماليًا ذكيًا بل هي أساسية لتحسين جودة الرعاية الصحية وتحقيق الاستدامة المالية في القطاع الصحي. تستدعي هذه التقنية الحديثة منظومة شاملة للتدريب والتحديث التكنولوجي، وتعاون فعّال بين مختلف الجهات الصحية والتنظيمية لضمان تطبيقها بنجاح واستفادة أقصى من فوائدها.
و يجب علينا التحول من وجهة نظر الأتمتة كرفاهية إلى وجهة نظر تركز على الاستدامة والتطوير، والعمل على تعزيز التوعية والتدريب على استخدام التقنيات الحديثة في مجال الرعاية الصحية، لتحقيق الفوائد الشاملة والمستدامة للمجتمع والنظام الصحي.
الدكتور شريف كمال
مستشار رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية للشؤون الصيدلية وإدارة الدواء