الدكتور بهاء الدين فتحي يكتب.. مستقبل صناعة الدواء المصرية «2»
تحدثت فى مقالى الأول عن حال صناعة الدواء المصرية فى السابق، وكيف كانت فى بدايتها صناعة رائدة شهدت تطوراً ونمواً ملحوظين خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضى، ثم بدأت بعد ذلك فى التراجع تدريجياً مما أفقد مصر ريادتها فى هذه الصناعة وحد من قدرتها التنافسية فى أسواق التصدير، وذكرت الأسباب التى أدت بنا لذلك وختمت بسؤال… هل سيستمر الحال على ما كان عليه فى الماضى أم لا ؟
فى الحقيقة لقد أدركت الدولة مؤخراً أهمية دعم وتطوير الصناعات الدوائية والطبية ووضعت لذلك إستراتيجية متكاملة بعنوان «إستيراتيجية مستقبل قطاع الدواء تماشيا مع رؤية الدولة المصرية للتنمية المستدامة 2030» تتضمن ستة عشر توصية سنتحدث عنها لاحقاً.
إستندت هذه الإستراتيجية على ثلاثة رؤى هى، أن تستعيد مصر مكانتها الإقليمية والدولية فى أبحاث وتصنيع وتصدير الدواء خلال السبع أعوام القادمة، وزيادة حجم الصادرات من المنتجات الطبية (دواء – مستلزمات طبية – مستحضرات تجميل) إلى 5 مليارات دولار حتى عام 2030، و أخيرا توطين الصناعات الدوائية المتخصصة (أدوية أورام – أدوية بيولوجية – خامات دوائية بكافة أنواعها) وفقا لإحتياجات السوق المصرى والتوقعات التصديرية المحتملة حتى 2030.
وقبل أن نتعرف على التوصيات الستة عشر أود أولاً أن أعطيكم فكرة موجزة بالأرقام عن سوق الدواء المصرى:
- السوق المصرى هو الأعلى إستهلاكاً للدواء من حيث عدد الوحدات محلياً وعربياً والأعلى فى معدل النمو فى الشرق الأوسط (13.8%).
- إجمالى عدد مصانع الأدوية المرخصة حتى الأن 179 مصنعا بإجمالى 799 خط إنتاج، كانت قبل عشر سنوات 130 مصنعاً بإجمالى 500 خط إنتاج.
- عدد الشركات الحاصلة على الإعتماد من هيئة الدواء الأوروبية (EMA) بلغ 10 شركات بإجمالى 12 مصنع.
- حجم المبيعات فى 2022 كان 122.7 مليار جنيه، زاد إلى 142.3 مليار جنيه فى 2023 حيث بلغت نسبة الإكتفاء الذاتى 94% من إجمالى عدد العبوات المباعة والبالغة 4 مليارات عبوة، تم تغطية الـ 6% المتبقية من خلال الأدوية المستوردة تامة الصنع.
- تصدر مصر منتجاتها الطبية لأكثر من 150 دولة (عربية – إفريقية – أوروبية).
- من حيث قيمة صادرات الدواء، حلت مصر فى 2022 فى المركز الثانى عربياً (بعد الأردن) والثانى أفريقيا (بعد جنوب أفريقيا) والرابع والخمسين عالمياً.
- إجمالى صادرات مصر الطبية (دواء – مستلزمات طبية – مستحضرات تجميل) فى 2020 كان 529 مليون دولار، زادت فى 2021 إلى 697 مليون دولار، ثم زادت فى 2022 إلى 968 مليون دولار، وفى 2023 تخطى الرقم لأول مرة المليار دولار.
- عدد المواد الفعالة المسجلة بهيئة الدواء تعدى الـ 2000 خامة، وعدد المستحضرات المسجلة بالهيئة حوالى 20,000 والمتداول منها بشكل فعلى حوالى 6,500 مستحضر.
- تستورد مصر أكثر من 95% من المواد الخام الفعالة وغير الفعالة ومستلزمات التعبئة والتغليف الخاصة بالصناعات الدوائية.
بالرجوع إلى التوصيات التى أوردتها الإستراتيجية سالفة الذكر، يمكن تصنيف تلك التوصيات على محاور أربعة تتمثل في:..
أولا: محور تطوير السياسات والإجراءات (يشمل ولا يقتصر على) :
سن قانون جديد لمزاولة المهنة، توحيد جميع قرارات تسجيل الدواء السابقة فى قرار موحد جديد مع تقليل الخطوات الإجرائية لتسجيل المنتجات الطبية، ووضع آلية تسعير جديدة لمعالجة التشوهات السعرية القائمة وتحريك الأسعار، وتبنى سياسات تمويلية جديدة بتسهيلات إئتمانية للتيسير على شركات الدواء الناشئة، وتطوير منظومة الدواء البيطرى بدءاً من التسجيل وحتى التصدير، عمل كود إجرائى (الكود المصرى للنظم CER) يشمل الضوابط والقواعد المنظمة لتسجيل وتصنيع وتداول الدواء داخل مصر على غرار الكود الأمريكى «CFR title 21»، ووضع برنامج وطنى للقضاء على الدواء المغشوش والمهرب.
ثانيا: محور تطوير البحث العلمى التطبيقى (يشمل ولا يقتصر على):
إنشاء مراكز بحثية متخصصة بالجامعات للإكتشافات الدوائية الجديدة والربط بينها وبين الشركات المصنعة للدواء، وإنشاء كيان لإدارة الأبحاث العلمية الجادة والمعتمدة من هيئة الدواء.
ثالثا: محور تعظيم صادرات الدواء والمنتجات الطبية (يشمل ولا يقتصر على):
إعتماد السياسات وسن التشريعات التى تؤدى إلى زيادة صادرات الدواء و المنتجات الطبية، وتأهيل وتحفيز الشركات المصرية للحصول على شهادات الإعتماد الدولية لزيادة القدرة التنافسية، وتشجيع المصانع المصرية لإنشاء مصانع خارج مصر، وإعتماد مراكزالدراسات السريرية والتكافؤ الحيوى المصرية من جهات دولية، والدخول فى تحالفات دوائية جديدة مثل الوكالة الأفريقية للدواء «AMA» والوكالة العربية للدواء (وعد) ووكالة الكوميسا للدواء (CMA) ومجموعة دول السادك الأفريقية لتسهيل نفاذية الدواء المصرى للأسواق العربية و الأفريقية، وإقامة مراكز متخصصة فى التجارة البينية.
رابعا: محور تطوير وتوطين الصناعات الدوائية المتخصصة (يشمل ولا يقتصر على):
تشجيع إنشاء مصانع متخصصة لإنتاج الهرمونات والأمصال وأدوية الأورام والأدوية البيولوجية والخامات الدوائية بمختلف أنواعها.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو… هل هذا يكفى حتى تستعيد مصر مكانتها الإقليمية والدولية فى أبحاث وصناعة وتصدير الدواء و المنتجات الطبية وفقا لأحدث المعايير العالمية خلال الأعوام المتبقية حتى 2030؟
الإجابة وبكل أمانة… نعم لكن بشرطين، أولهما أن نضع لكل توصية خطط عمل «Action Plans» بمستهدفات قريبة ومتوسطة الآجل واضحة ومقاسة، وثانيهما المتابعة الدورية لتنفيذ خطط العمل وتحقيق المستهدفات.
وللحديث بقية.
الدكتور بهاء الدين فتحي خبير التصنيع الدوائي