سوق الدواء
كل ما تريد معرفته عن سوق الدواء

الدكتور شريف كمال يكتب: اليوم العالمي للتجارب السريرية 2025: بحث من أجل الجميع – العدالة – الوصول – الابتكار

يحتفل العالم سنويًا بيوم التجارب السريرية في 20 مايو من كل عام، إحياءً لذكرى أول دراسة سريرية عشوائية أجراها جيمس ليند عام 1747.

شعار هذا العام، “بحث من أجل الجميع: العدالة، الوصول، والابتكار”، يُمثل نقطة تحول حاسمة في مجال البحث السريري. فلم يعد كافيًا اختبار العلاجات فقط؛ بل أصبح من الضروري ضمان استفادة الجميع منها، بما في ذلك الفئات التي طالما تم استبعادها من التجارب بسبب الموقع الجغرافي، أو الحالة الاجتماعية والاقتصادية، أو محدودية أنظمة الرعاية الصحية.

نقاط رئيسية تقود التغيير

  1. التجارب السريرية اللامركزية (DCTs)

ما يحدث: استخدام الطب عن بُعد، والزيارات المنزلية، والمراقبة عن بُعد.

خطوة عملية: على مراكز البحث ومنظمات البحوث التعاقدية (CROs) في مصر تجربة مكونات لا مركزية، مثل التوقيع الإلكتروني على الموافقة (eConsent)، والقياسات الحيوية عن بُعد، لجذب الدراسات العالمية بتصميمات هجينة.

  1. الذكاء الاصطناعي والأدلة الواقعية (AI & RWE)

ما يحدث: تُحسِّن أدوات الذكاء الاصطناعي تصميم البروتوكولات، واختيار المواقع، ومطابقة المرضى باستخدام السجلات الطبية الإلكترونية والبيانات من الأجهزة القابلة للارتداء.

خطوة عملية: بناء شراكات بين المواقع السريرية وفِرَق علوم البيانات لإنشاء خطوط بيانات حقيقية، متوافقة مع المعايير الدولية مثل CDISC وOMOP.

  1. تمحور التجارب حول المريض

ما يحدث: إعادة تصميم التجارب بناءً على آراء المرضى لزيادة الالتزام وتقليل تعقيد البروتوكولات.

خطوة عملية: تشكيل مجالس استشارية من المرضى عند تخطيط التجارب، واعتماد ملخصات مبسطة للموافقة المستنيرة باللغتين العربية والإنجليزية.

دور مصر والمنطقة

تتمتع مصر بمقومات فريدة تؤهلها لتكون مركزًا إقليميًا ومحوريًا للتجارب السريرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتشمل هذه المقومات:

  • قاعدة سكانية ضخمة ومتنوعة وراثيًا، ما يسمح بتقييم فعالية الأدوية عبر أنماط جينية متعددة.
  • نظام رعاية صحية مزدوج (عام وخاص)، يتيح تنفيذ التجارب السريرية عبر شبكات واسعة.
  • أكثر من 30 كلية طب وصيدلة وتمريض، ما يوفّر موارد بشرية مدربة قابلة للتأهيل في أبحاث المراحل الإكلينيكية.
  • تكاليف منخفضة نسبيًا مقارنة بالدول الغربية، دون المساس بجودة الخدمات الطبية.
  • انخراط حكومي فعّال في التحول الرقمي الصحي من خلال منظومات مثل التأمين الصحي الشامل، ما يسهّل جمع البيانات وربطها بالبحوث.

دور القطاع الخاص: رافعة التحول ونقطة القوة في التوسع

القطاع الخاص في مصر – خاصة المستشفيات الخاصة، ومراكز التشخيص، وشركات التكنولوجيا الصحية – يُعد شريكًا أساسيًا لتسريع النمو في مجال البحوث السريرية، ويمكن تلخيص أوجه مساهمته في:

  1. التمويل والاستثمار في البنية التحتية
  • تمتلك المستشفيات الخاصة تجهيزات عالية المستوى، وقاعات عمليات، ووحدات عناية مركزة متطورة.
  • شركات التكنولوجيا الطبية قادرة على بناء قواعد بيانات ومنصات رقمية لدعم الدراسات متعددة المراكز.
  1. جذب الدراسات العالمية عبر الشراكات
  • يمتاز القطاع الخاص بالمرونة الإدارية وسرعة اتخاذ القرار، مما يجذب شركات الأدوية العالمية.
  • إمكانية التفاوض المباشر مع الرعاة وتقديم حوافز مثل انخفاض التكاليف وسرعة التنفيذ.
  1. تحسين وقت الوصول للمريض والتجنيد
  • نظراً لاعتماد شريحة كبيرة من المصريين على القطاع الخاص، يسهل الوصول إلى مرضى مؤهلين.
  • استخدام الأنظمة الإلكترونية الحديثة يتيح تحديد المرضى المناسبين بسرعة ودقة.
  1. تقديم نماذج ناجحة قابلة للتكرار
  • نجاح التجارب السريرية في المنشآت الخاصة يمكن أن يُحتذى به في باقي أنحاء الدولة.
  • المشاركة في التجارب تُسهم في رفع كفاءة مقدمي الرعاية من خلال التدريب واعتماد ممارسات البحث الجيد (GCP).
  1. تعزيز الثقة المجتمعية
  • تحظى المستشفيات الخاصة بثقة الجمهور، ما يسهل إشراك المرضى.
  • يمكن للقطاع الخاص إطلاق حملات توعية بالتعاون مع الجهات التنظيمية.
  • القطاع الخاص كحلقة وصل بين البحث والعلاج
  • لا يقتصر دور القطاع الخاص على تنفيذ التجارب، بل يمتد ليكون وسيطًا فعّالًا بين نتائج البحوث والتطبيق السريري، مما يعزز جودة الرعاية الصحية.

الفرصة أمام مصر الآن

بإمكان مصر، من خلال توظيف مقوماتها وتنظيم مساهمة القطاع الخاص، أن:

  • تجذب المزيد من الدراسات من شركات الأدوية العالمية.
  • تحوّل البحوث السريرية إلى مصدر دخل قومي بالعملة الصعبة.
  • تُدرّب أجيالًا من الكوادر الطبية على أحدث الممارسات العالمية.
  • تُسرّع الموافقات على علاجات جديدة قد تُنقذ الأرواح محليًا وإقليميًا.

خطة عمل: النهوض بمنظومة البحث السريري في مصر

  1. الإصلاح التنظيمي والموافقات السريعة
  • تفعيل قانون التجارب السريرية المصري مع إعداد إجراءات تشغيلية موحدة (SOPs).
  • إنشاء نظام مركزي لمراجعة الأخلاقيات للتجارب متعددة المراكز.
  • إدخال مسارات مراجعة سريعة للدراسات منخفضة الخطورة.
  1. بناء وحدات التجارب السريرية (CTUs)
  • دمج مكاتب الدراسات والمختبرات داخل المستشفيات الجامعية.
  • تقديم تدريب معتمد حسب ممارسات البحث الجيد.
  • رقمنة المستندات باستخدام أنظمة إلكترونية موثوقة (eTMF).
  1. تحفيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص
  • تقديم حوافز ضريبية للشركات التي تؤسس مراكز بحثية.
  • الترويج لقدرات مصر في المؤتمرات الدولية.
  • تأسيس مجلس وطني للتجارب السريرية.
  1. توسيع التوعية وتجنيد المرضى
  • إطلاق حملات وطنية لتثقيف الجمهور.
  • تطوير منصة إلكترونية باللغة العربية مخصصة لتسجيل التجارب.
  • التعاون مع المنصات الرقمية لفرز المرضى المؤهلين.
  1. الاستفادة من التحول الرقمي الصحي في مصر
  • دمج وحدات التجارب السريرية في نظام السجلات الصحية الوطنية.
  • ربط قواعد البيانات بسجلات التجارب السريرية.
  • إنشاء لوحات مؤشرات ذكية لمراقبة الأداء في الوقت الفعلي.

الخاتمة

إن تحول التجارب السريرية في عام 2025 لا يتمحور فقط حول التكنولوجيا، بل حول بناء أنظمة عادلة وشاملة تخدم جميع الناس. تمتلك مصر فرصة فريدة لقيادة المنطقة عبر نماذج قابلة للتوسع، تركّز على المريض وتعتمد على التكنولوجيا.

الوقت قد حان للتحرك – من أجل العلم، ومن أجل العدالة، ومن أجل مستقبل الرعاية الصحية.

الدكتور شريف كمال

نائب رئيس الجمعية الأوروبية لصيادلة الأورام 

اترك تعليق