يشهد قطاع الأدوية تحولاً كبيراً، حيث إن الشركات الكبرى التاريخية مثل شركة فايزر «Pfizer» وشركة نوفارتس، «Novartis» وشركة روش «Roche» التي كانت تسيطر على قطاع الأدوية لسنوات طويلة، تواجه الآن منافسة شرسة من شركات أدوية حديثة نسبياً مدفوعة بالتقنية والابتكار.
قد يكون هذا التحول ليس مجرد اتجاه مؤقت، بل قد يشير إلى تغيير جذري في القطاع، مدفوعاً بالابتكار، وديناميكيات السوق، والاندماجات والاستحواذات الاستراتيجية.
في السنوات الأخيرة، شهدت قيم السوق لبعض الشركات الدوائية الكبيرة والمستقرة، حالة من الركود أو التراجع. على سبيل المثال شركة فايزر، بقيمة سوقية تبلغ 159 مليار دولار، وشركة نوفارتس، بـ 230 مليار دولار، وشركة وروش، بـ 216 مليار دولار، يتم الآن مضاهاتها عن كثب من قبل شركات حديثة نسبياً مثل شركة فيرتكس للأدوية، «Vertex Pharmaceuticals» التي تقدر قيمتها بـ 121 مليار دولار.
صعود هذه الشركات الحديثة قد يعيد تشكيل المشهد التنافسي، مجبراً شركات الأدوية الكبرى على الابتكار أو المخاطرة بفقدان مكانتها التاريخية في هذا القطاع.
عزيزي القارئ، شركة ريجينيرون للأدوية «Regeneron Pharmaceuticals»، وشركة جلاكسو سميثكلاين، «GSK»، وشركة أمجين، «Amgen»، وشركة فيرتكس، «Vertex» تتصدر هذا التحول.
هذه الشركات أظهرت نمواً ملحوظاً من خلال الاستفادة من التقنية المتقدمة لتطوير علاجات مبتكرة. على سبيل المثال، حققت شركة ريجينيرون للأدوية، تقدماً كبيراً في العلاج المناعي، بينما تشتهر شركة فيرتكس، باختراقاتها العلمية في علاج مرض التليف الكيسي.
بنيت هيمنة شركات الأدوية الكبرى على مدار أكثر من قرن. تأسست شركة روش، في عام 1896، وشركة فايزر، في عام 1849، وأصبحوا من قادة القطاع الدوائي العالمي من خلال التركيز على الأمراض الشائعة مثل السرطان والأمراض المعدية. تم تعزيز نجاحهم أيضاً من خلال الاندماجات والاستحواذات الاستراتيجية، مثل استحواذ شركة روش، بقيمة 47 مليار دولار على شركة جينينتيك «Genentech» في عام 2009 واستحواذ شركة فايزر، على شركة سيجين، «Seagen» المتخصصة في علاج السرطان بقيمة 43 مليار دولار في عام 2023.
سمحت هذه الاستحواذات لشركات الأدوية الكبرى بالحفاظ على تدفق العلاجات المبتكرة واستدامة النمو. ومع ذلك، فإن الاعتماد على مثل هذه الاستراتيجيات فقط قد يبرز أيضاً نقطة ضعف والتي تتمثل في الحاجة المستمرة لتجديد مخزونها من العلاجات من خلال الصفقات. هذا الاعتماد يجعلها عرضة للاضطرابات من قبل “الشركات الحديثة” الأكثر رشاقة وابتكاراً.
على مدى السنوات الخمس الماضية، أضافت شركات الأدوية المدفوعة بالتقنية مثل شركة أمجين، وشركة ريجينيرون، وشركة جينماب، وشركة فيرتكس، نحو 270 مليار دولار إلى قيمتها السوقية مجتمعة.
في المقابل، شهدت شركات الأدوية الكبرى التقليدية، شركة فايزر، وشركة نوفارتيس، وشركة جلاكسو سميثكلاين، وشركة سانوفي، وشركة روش، تراجعاً في قيمتها السوقية الإجمالية بحوالي 80 مليار دولار في نفس الفترة.
يتم تمثيل هذا التحول بصرياً في الرسوم البيانية لقيم السوق، التي تظهر الارتفاع الثابت لشركات الأدوية المدفوعة بالتقنية والابتكار إلى جانب التذبذب أو التراجع في قيم شركات الأدوية الكبرى. يشير الاتجاه إلى ثقة متزايدة من المستثمرين في الإمكانات الابتكارية للشركات الناشئة والحديثة على حساب العمالقة الكبار في القطاع.
الابتكار هو جوهر هذا التطور في السوق. الشركات الناشئة لا تعتمد فقط على مسارات تطوير الأدوية التقليدية، بل تدمج تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي «AI»، وعلم الوراثة والطب الشخصي وغيرها من التقنيات المبتكرة. هذه التقنيات تمكن من اكتشاف الأدوية بشكل أسرع وعلاجات أكثر فعالية وفهم أعمق للأمراض المعقدة.
يجب على شركات الأدوية الكبرى الاستثمار في البحث والتطوير المتقدم للحفاظ على الوتيرة المتسارعة مع الشركات الحديثة. يشمل ذلك استكشاف مجالات علاجية جديدة واعتماد تقنيات متقدمة وتعزيز ثقافة الابتكار المستمر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشراكات الاستراتيجية مع شركات التقنية الحيوية وشركات التقنية بشكل عام توفير الوصول إلى تقنيات وخبرات جديدة، مما يساعد على سد فجوة الابتكار.
ستستمر الاندماجات والاستحواذات في لعب دور حيوي في استراتيجية شركات الأدوية الكبرى، ولكن بنهج متوازن. بدلاً من الاكتفاء بعمليات الاستحواذ لتجديد خطوط إنتاجها، يجب على شركات الأدوية الكبرى التركيز على التعاون الاستراتيجي الذي يعزز الابتكار ويخلق التكامل.
يشمل ذلك الشراكة مع شركات التقنية للاستفادة من الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة في اكتشاف الأدوية، بالإضافة إلى التعاون مع شركات التقنية الحيوية لتطوير علاجات جديدة بشكل مشترك.
على سبيل المثال، أظهر التعاون بين شركة فايزر، وشركة بيونتك، «BioNTech»، لتطوير لقاح كوفيد-19 إمكانيات الشراكات الاستراتيجية في دفع الابتكار السريع والمؤثر. يمكن لمثل هذه الشراكات أن تكون نموذجاً للشراكات المستقبلية، مما يمكن شركات الأدوية الكبرى من الاستفادة من نقاط القوة لكل من الخبرات الدوائية التقليدية والابتكار المدفوع بالتقنية الحديثة.
عزيزي القارئ، سيكون التنقل عبر البيئات التنظيمية وديناميكيات السوق أمراً حاسماً لكل من شركات الأدوية الكبرى والوافدين الجدد. تركز الهيئات التنظيمية بشكل متزايد على سلامة وفعالية العلاجات المبتكرة، ويجب على الشركات ضمان الامتثال مع الحفاظ على المرونة في عمليات التطوير الخاصة بها.
ستكون استراتيجيات الوصول إلى السوق والتسعير أيضًا ضرورية. مع تقديم شركات الأدوية المدفوعة بالتقنية لعلاجات جديدة ومكلفة، سيكون ضمان القدرة على تحمل التكاليف وإمكانية الوصول أمراً ضرورياً للقبول في السوق واعتماد المرضى. يمكن لشركات الأدوية الكبرى، مع وجودها القوي في السوق وشبكات التوزيع الخاصة بها، الاستفادة من قوتها لمواجهة هذه التحديات ودعم تسويق العلاجات الجديدة.
قطاع الصناعات الدوائية والتقنية الحيوية يمر الآن في مفترق طرق، حيث تتحدى شركات الأدوية المدفوعة بالتقنية والابتكار هيمنة شركات الأدوية التقليدية الكبرى. مع تطور السوق، تحمل الشراكة بين الشركات الدوائية التقليدية والوافدين الجدد من الشركات الحديثة المدفوعة بالتقنية والابتكار إمكانات كبيرة لدفع التقدم التحويلي في الرعاية الصحية. من خلال الاستفادة من نقاط القوة الخاصة بكل منهما، يمكن لهذه الكيانات معاً تلبية الاحتياجات الطبية الغير ملباة وتحسين النتائج العلاجية وتشكيل مستقبل الرعاية الصحية الحديثة.
د. نبيل عبدالحفيظ الحكمي
ريادة الأعمال والاستثمار في مجال التقنية الحيوية والصناعات الدوائية المبتكرة