إبراهيم بن ناصر الراشدي مدير عام التموين الطبي بوزارة الصحة العمانية:
-استثمارات وطنية وشراكات استراتيجية لضمان استدامة توفير الدواء
-المخزون الاحتياطي أثبت أهميته أثناء حالات الإغلاق العالمي وتوقف التوريدات
-الاتفاقيات الموحدة بدول المجلس لا تحد من التوسع في شراء الأدوية
-الشراء المباشر من الشركات أسهم في الحد من الاحتكار والمغالاة في الأسعار
-مراجعة سلاسل التوريد ودعم مخزون الدواء للاستهلاك الطارئ
أكدت وزارة الصحة العُمانية سعيها لتوطين الاستثمارات الوطنية وتشجيعها في مجال الصناعات الطبية والأمن الدوائي وإنشاء العديد من المصانع التي ستسهم في خفض معدلات الاعتماد على الاستيراد من الخارج التي وصلت 90%، وتغطية احتياجات سلطنة عمان من الأدوية بنسبة 30% خلال السنوات العشر القادمة، ودعم ميزانية المخزون الاحتياطي للدولة من الأدوية الحيوية والمستلزمات الطبية والبحث عن بدائل أخرى لسد النقص في الحالات الطارئة أو استعمال البدائل المتوفرة نتيجة تأثر سلاسل التوريد في العالم.
وأوضح إبراهيم بن ناصر الراشدي مدير عام التموين الطبي بوزارة الصحة العمانية، في حوار مع “عُمان” جهود الوزارة في تحقيق الأمن الدوائي ودعم المخزون الدوائي، فإلى التفاصيل:
مخزون من الأدوية الحيوية
وأكد الراشدي أن سلطنة عمان كانت من أولى دول المنطقة التي أنشأت مخزونا احتياطيا للدولة من الأدوية الحيوية والمستلزمات الطبية الضرورية منذ بداية الثمانينيات لمواجهة الظروف الطارئة ودرء آثار الأوبئة والكوارث ولتقديم الرعاية الطبية والإسعافية الضرورية في الوقت الملائم لحماية صحة السكان، وقد رُفِعَت ميزانية المخزون الاحتياطي عام 1983م من 800 ألف ريال عماني إلى 1.1 مليون ريال عماني،
كما تم تعزيز الميزانية المعتمدة عام 2004م لتصل إلى 4.2 مليون ريال عماني وتخصيص مستودع بولاية بوشر بمحافظة مسقط عام 2005م بسعة تخزينية بلغت 1520 مترا مربعا لمقابلة الزيادة في حجم المواد المخزنة من حوالي 600 نوع من الأدوية والمواد الطبية طبقا لأهميتها العلاجية والوقائية والإسعافية.
وفي إطار سعي الدولة المستمر لتعزيز المخزون الاحتياطي بسلطنة عمان ولتحقيق الأمن الدوائي والصحي حيث تستورد سلطنة عمان أكثر من 90% من احتياجاتها من الأدوية والإمدادات الطبية من خارج سلطنة عمان، فقد تم مؤخرا خلال العام الحالي تعزيز ميزانية المخزون الاحتياطي للدولة لتصل إلى 10 ملايين ريال عماني (غير متكررة) حتى يتسنى توفير مخزون احتياطي مناسب يغطي استهلاك سلطنة عمان للفترة المستهدفة التي تتراوح بين 4-6 أشهر عند نقص المخزون في حالة تأخير التوريدات أو حدوث مشاكل عالمية طارئة في الإنتاج.
وأثبت المخزون الاحتياطي جدواه في تغطية احتياجات المؤسسات الصحية بوزارة الصحة من الأدوية المنقذة للحياة مثل أدوية القلب والسكري وغيرها في أثناء حالات الإغلاق العالمي وتوقف التوريدات بسبب جائحة كوفيد 19. وقد حقق المخزون الاحتياطي 0% في المواد المنتهية نتيجة التدوير المنظم لاستخدام الأدوية، وتعد هذه قصة نجاح تؤكد كفاءة عمل القطاع”.
12 ألف صنف من الأدوية والمواد الطبية الأخرى
وأكد الراشدي، أن المديرية العامة للتموين الطبي تبذل جهودا كبيرة في تلبية احتياجات حوالي 280 مؤسسة صحية تشمل المستشفيات المرجعية والمجمعات والمراكز الصحية من حوالي 12 ألف صنف من الأدوية والمواد الطبية الأخرى لضمان توافرها بالمواصفات المطلوبة ودون انقطاع واتخاذ الإجراءات المناسبة لسد النقص الطارئ الذي قد ينشأ في مخزون أي دواء في حالة الزيادة الكبيرة غير المتوقعة في الاستهلاكات،
أو في حالة تأخير التوريدات لحدوث مشاكل في الإنتاج العالمي، والتي تعانيها سلطنة عمان شأنها شأن دول العالم الأخرى ويُسْتَعَان بالمخزون الاحتياطي للدولة لسد النقص الطارئ أو استعمال البدائل المتوفرة بالمستشفيات أو توفير مخزون بديل بالشراء المباشر العاجل من السوق البريطاني أو الهند عن طريق الموردين المعتمدين عند الضرورة ومتابعة تسريع التوريدات.
وأشار الراشدي إلى أنه في بعض الحالات التي يظهر نقص إمداد الأدوية مثلا لا يكون السبب واحدا، وإنما هناك أسباب مختلفة، ولم يتوقف توفير بعض الأدوية نتيجة خفض الموازنة المالية الموضوعة، بالعكس هناك جوانب أخرى تؤثر في سلاسل الإمداد مثل حرب روسيا وأوكرانيا فقد تأثرت سلاسل الإمداد كثيرا نتيجة ارتفاع أسعار الغاز وتأثر العقود وتغير وتيرة العمل في المصانع المنتجة للأدوية وتراجع القدرة التشغيلية، لذا انخفض الإنتاج وتغيرت الأسعار، وهذه تحديات عالمية تعانيها دول العالم، وليس سلطنة عمان فقط.
الاتفاقيات الموحدة بمجلس التعاون الخليجي لشراء الأدوية
ونوه الراشدي، أن الاتفاقيات الموحدة بدول مجلس التعاون الخليجي الخاصة بالأدوية، لا تحد من التوسع في شراء الأدوية والإمدادات الطبية، وإنما تسهم في حصول سلطنة عمان ودول المجلس الأخرى على المواد طبقا لمواصفات الجودة المطلوبة وبالأسعار المناسبة،
لذا تحرص وزارة الصحة منذ أكثر من عشرين عاما بتوفير معظم احتياجاتها السنوية مباشرة من الشركات العالمية والمحلية المصنعة للدواء مقابل المناقصة الدولية المطروحة عن طريق مجلس المناقصات متزامنة مع مواعيد مناقصات الخليج للشراء الموحد عن طريق مجلس الصحة الخليجي، وتُقَارَن الأسعار بكل مناقصة واختيار الأرخص والمطابق منهما ضمن قائمة الأدوية الأساسية المعتمدة بالوزارة من قبل اللجنة الفنية العليا للدواء،
كما تشارك المؤسسات الحكومية المدنية والعسكرية ممثلة في مستشفى جامعة السلطان قابوس ومستشفى شرطة عُمان السلطانية ووزارة الدفاع وديوان البلاط السلطاني بفعالية في المناقصة الدولية للشراء الموحد ومناقصة الخليج للاستفادة من فروقات الأسعار وبما يمكن كذلك من حصول المرضى على ذات الأدوية من حيث النوعية والجودة والفعالية والمأمونية.
وتابع: كما أن الوزارة تنتهج مسارا عند شراء الأدوية، فعند طرح المناقصات هناك أسس وشروط تضعها الوزارة للمصانع المنتجة، ولا يُخْتَار الدواء الأرخص إنما ينظر في مأمونية الدواء، وجودته بعدها ينظر في السعر، ولدينا نظام جودة فعال لمراقبة الأدوية ونظام تبليغ داخل المؤسسات الصحية من قبل الأطباء والكوادر الصحية لمراقبة وتحليل الدواء في مركز سلامة الدواء وأخذ عينات عشوائية أيضا من الأدوية الجديدة،
كما يوجد فريق مختص يزور المصانع ومشاهدة أسس تصنيع الأدوية. ولم تسجل سلطنة عمان طول الفترة الماضية شكاوى حول الأدوية كما حصل في بعض الدول فهناك سياسات تتبعها الحكومة في شراء الدواء وفق معايير ومواصفات دقيقة ذات جودة عالية.
الشراء المباشر حد من المغالاة في الأسعار
وأوضح الراشدي، أن الشراء المباشر من الشركات المصنعة أسهم في الحد من المغالاة في الأسعار والاحتكار من قبل وكلاء الشركات المستوردة للدواء في السوق المحلي وتحقيق وفورات مالية جوهرية مما تحصل عليه الوزارة والمؤسسات الحكومية الأخرى في مناقصاتها المحلية وترشيد الاستخدام الأمثل للموارد المالية المتاحة.
وأكد على أن وزارة الصحة لا تتعامل مع مصدر واحد في شراء الأدوية كما يشاع في المجتمع أنها تتعامل مع صيدلية مشهورة في توريد الأدوية والمنتجات الصحية، وإنما تُطْرَح مناقصة دولية وأغلب الاحتياجات تؤخذ من المصانع وهو الآخر الذي يختار وكيله من داخل سلطنة عمان لإنهاء إجراءات المناقصة.
وأضاف أن عمليات الاستيراد تتم بعد دراسة الاستهلاكات بصورة مدروسة من قبل لجنة فنية متخصصة، وبالتالي تحديد الاحتياجات السنوية طبقا لأحكام لائحة المخازن الحكومية بناء على معدلات الزيادة أو النقصان مع إضافة نسبة أمان في حالة زيادة الاستهلاكات ولتفادي الهدر وانتهاء صلاحية أي كميات في المخزون تُرَاعَى جدولة التوريدات السنوية على عدة دفعات حسب قصر فترة الصلاحية،
وقد أظهرت نتائج التقارير السنوية السابقة بأن نسبة الأدوية منتهية الصلاحية الموزعة للمؤسسات الصحية لا تتجاوز 0.1% من قيمة المخزون وهي نسبة تقديرية مقبولة حسب توصيات خبراء منظمة الصحة العالمية الذين زاروا المديرية سابقا.
وأشار إلى وجود مخازن إقليمية للأدوية توجد في محافظة ظفار تغذي المحافظة ومخزن في ولاية نزوى يغذي محافظات الداخلية والوسطى والظاهرة، ولدينا مخزن آخر في خزائن بولاية بركاء، كما أن هناك تطلعات مستقبلية بالسعي إلى إنشاء مخازن إقليمية جديدة، ولكن في انتظار نتائج دراسة الشركة الاستشارية في تحليل سلاسل الإمداد، حتى تكون المنظومة متكاملة.
توطين صناعة الدواء
وأشاد الراشدي بسعي الحكومة إلى توطين الاستثمارات الوطنية وتشجيعها في مجال الصناعات الطبية والأمن الدوائي، وعليه فإن البرنامج الوطني للاستثمارات وتنمية الصادرات والجهات الأخرى ذات الصلة تعمل مع وزارة الصحة على تحديد أهم الأولويات التي يمكن الاستثمار فيها (الصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية)، وذلك بالتعاون من جهاز الاستثمار العماني والأمانة العامة المجلس المناقصات والمؤسسات الصحية المدنية والعسكرية وكذلك القطاع الخاص لضمان استدامة توفير الدواء وإقامة شراكات استراتيجية لشراء وتوزيع الأدوية بشكل فعال.
وأضاف الراشدي أن هناك 3 مصانع للدواء حاليا في سلطنة عمان تسهم بتغطية حوالي 10% من الاحتياجات، وتوجد مصانع أخرى قيد الإنشاء، وستُدَشَّن في هذا العام مصانع المحاليل الوريدية الطبية في ولايتي صلالة ونزوى ومصنع آخر في خزائن بولاية بركاء في طور التشغيل، والعديد من المستثمرين أبدوا رغبتهم في افتتاح مصانع وهناك فريق تفاوض معهم، ويتم العمل لجذب استثمارات عالمية لتأسيس مصانع في سلطنة عمان،
ولدينا مصانع في صلالة ومسقط تنتج أدوية لبعض الأمراض، وما زال العمل جاريا لاستقطاب مصانع للأدوية البيولوجية والحكومة تسعى لجذب هذا التقنية العالية في صناعة الأدوية واكتساب الخبرة في أمراض الدم والسرطان، وتوجد مناقشات مستفيضة مع شركات لنقل المعرفة.
وهناك مشروع قيد التشغيل وهو مشروع مصنع (ميناجين) للصناعات الدوائية بمنطقة الرسيل، والذي يعد أحد المصانع الرائدة في منطقة الشرق الأوسط متخصصا في أدوية الأمراض المستعصية والنادرة، ولكنه ما زال في طور توقيع اتفاقيات مع الشركات لإجراء الأبحاث وتصنيع الأدوية وهذا استثمار مبشر، ونتطلع بأن تغطي الصناعة المحلية نسبة 30% من احتياجات سلطنة عمان من الأدوية خلال السنوات العشر القادمة.
وأكد الراشدي على أن وزارة الصحة تسخر جهودها للارتقاء بقطاع الصيدلة في سلطنة عمان ووضع خطط مستقبلية أبرزها إصدار أدلة عمل وسياسات لتنظيم العمل الصيدلاني والممارسة الصيدلانية، والتي يستند إليها كافة الوحدات الصحية على المستوى الوطني، والعمل على رفع الكفاءة المهنية لدى الكوادر الصيدلانية على كافة مستويات الرعاية الصحية لتقديم خدمات الرعاية الصيدلانية.
واختتم الراشدي، بأنه من الخطط المستقبلية التي وضعت في المديرية تطبيق خدمات الصيدلة السريرية بكافة المستشفيات المرجعية، وتأسيس مراكز للمعلومات الدوائية بالمستشفيات المرجعية غير المطبقة، وإجراء ونشر بحوث صحية في مجال استخدام العلاج الدوائي بشكل دوري، وتوحيد مؤشرات الممارسة الصيدلانية بجميع المؤسسات الصحية التابعة لوزارة الصحة، وإعداد معايير تقييم الكفاءة المهنية للكوادر الصيدلانية في مختلف مجالات المهنة.