عزيزي القارئ، سوف نتناول في هذا المقال موضوع الفرص والتحديات في سوق الأدوية السعودي، مع التركيز على العوامل التي تسهم في نمو السوق والعوائق التي يواجهها.
يعد توفر “نظام رعاية صحية” يعتمد على التكتلات والتجمعات الكبيرة فرصة متميزة جداً للقطاعين الحكومي والخاص لجمع البيانات الصحية والمرضية للمجتمع، مما قد يؤدي إلى تعزيز وضوح الرؤية المستقبلية للسوق وتعزيز عملية الإقبال الصحيح وزيادة الطلب المستهدف على “الأدوية المبتكرة” في المستقبل، وبالتالي يعود بالفائدة على قطاع الصناعات الدوائية والتقنية الحيوية في المملكة وخدمة مستهدفاته.
إن جمع بيانات دقيقة وشاملة عن المرضى المقننة والمحددة يمكن أن يساعد في توجيه البحث والتطوير والابتكار في هذا القطاع نحو الابتكارات الدوائية التي تلبي احتياجات محددة، مما يعزز من فعالية الأدوية ويساهم في تحسين الرعاية الصحية بشكل عام.
من المبادرات النوعية في هذا المجال، ما تقوم به هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية السعودية (LCGPA) من دور هام وحاسم في تعزيز سياسة التوطين الحكومية لهذا القطاع، والتي توفر حوافز للشركات بشكل عام لتصنيع المنتجات في المملكة. هذا يتيح فرصة للشركات الوطنية للنمو والتوسع، بينما يشكل تحدياً للشركات العالمية أو المتعددة الجنسيات التي قد تجد صعوبة في تلبية متطلبات التوطين. إن هذا التوجه يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني ويقلل من الاعتماد على الواردات بشكل عام والقطاع الدوائي بشكل خاص.
عزيزي القارئ، أيضاً من المبادرات النوعية، مبادرة الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية (SFDA) إلى تسريع تسجيل الأدوية المبتكرة، مما يسهم في تحسين وصول الأدوية الجديدة إلى السوق السعودي بسرعة أكبر. هذه المبادرة تساهم في تقليص الفترة الزمنية اللازمة لتوفير الأدوية المبتكرة للمرضى، مما يعزز من فعالية النظام الصحي وقدرته على التعامل مع الأمراض بفعالية أكبر.
أيضاً، الهيئة تضع سياسات صارمة لتسعير الأدوية. يتم تحديد الأسعار بناءً على معايير محددة تشمل تكلفة الإنتاج، وفترة التسويق، والسعر العالمي للدواء. هذه السياسات تهدف إلى تحقيق توازن بين توفير الأدوية بأسعار معقولة وضمان عدم تأثر الشركات المصنعة سلباً.
تمتلك الشركة الوطنية للشراء الموحد للأدوية والأجهزة والمستلزمات الطبية (نوبكو) قوة تفاوضية هائلة، بصفتها المشتري الوحيد للأدوية والأجهزة الطبية لجميع القطاعات والمؤسسات العامة، مما يوفر عوائد إيجابية وضخمة للاقتصاد السعودي والقطاع الصحي الحكومي بشكل خاص. وفي المقابل، يقلل من هامش الأرباح لشركات الأدوية بشكل عام. عزيزي القارئ، هذا الأمر يمثل تحدياً كبيراً للشركات التي تعتمد على هوامش ربح مرتفعة لضمان استدامتها واستمرارية عملياتها. تقليل هامش الربح يمكن أن يؤثر على قدرة الشركات على الاستثمار في مجالات البحث والتطوير والابتكار.
عزيزي القارئ، وجود نظام تسجيل موحد فعال بين القطاعات المختلفة يسهل من عملية الوصول للأدوية. ويقلل من البيروقراطية التي تزيد من التحديات التي تواجه الشركات في توفير الأدوية بفعالية وفي الوقت المناسب، مما يؤثر بإيجابية على المرضى الذين في حاجة إلى العلاجات بشكل عاجل.
وأيضاً، إن مبادرة الدولة نقل المقرات الإقليمية إلى المملكة، وعدم التزام هذه الشركات في نقل المقرات لمدينة الرياض، سوف يُسمح لها بالمشاركة في مناقصات نوبكو بعد عام 2024. هذا الأمر يدفع العديد من الشركات لنقل مقراتها الإقليمية من دول أخرى إلى السعودية، مما يشكل فرصة للوطن لأن يعزز دور قطاع الصناعات الدوائية والتقنية الحيوية ويخدم مستهدفات رؤية المملكة 2030 في تعزيز تطوير وتوطين الصناعات الاستراتيجية ومنها الصناعات الدوائية والتقنية الحيوية، وكما يعزز مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية.
ولا يخفى عليك عزيزي القارئ، وجود عدد كبير من الشركات المصنعة والموردين للأدوية يعزز التنافسية في السوق، مما يؤدي إلى تقديم أسعار أكثر تنافسية. هذا التنافس يمكن أن يؤدي إلى خفض الأسعار، ولكنه قد يؤثر أيضاً على جودة المنتج إذا لم يتم الرقابة بشكل مناسب، وهنا يأتي الدور المتميز للهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية بالمراقبة ووضع أفضل المعايير لجودة الأدوية.
أيضاً تشمل التكاليف التشغيلية مثل تكاليف المواد الخام، الأجور، تكاليف النقل، وتكاليف الطاقة، حيث تختلف باختلاف الموقع وظروف العمل في المملكة، مما يؤثر على تسعير الأدوية. والضرائب والجمارك المفروضة على استيراد المواد الخام أو الأدوية الجاهزة تؤثر مباشرة على تكلفتها النهائية. التخفيضات أو الإعفاءات الضريبية يمكن أن تسهم في تقليل الأسعار.
إن التقدم التقني والابتكار في عملية تصنيع الأدوية يمكن أن يؤدي إلى تحسين الكفاءة وخفض التكاليف، مما ينعكس على الأسعار. الشركات التي تستثمر في التقنية الحديثة يمكن أن تقدم منتجات بأسعار تنافسية. وتكاليف البحوث والتطوير (R&D) تعتبر من العوامل الرئيسية التي تؤثر على تسعير الأدوية، خاصةً تلك التي تتطلب فترات طويلة من البحث والاستثمارات الكبيرة. الأدوية الجديدة والمبتكرة تكون عادةً أعلى تكلفة نتيجة لهذه الاستثمارات.
والقوانين والتشريعات المتعلقة بحماية الملكية الفكرية وبراءات الاختراع تؤثر على أسعار الأدوية، خاصةً الأدوية الجديدة التي تحتاج إلى حماية براءات الاختراع لفترة محددة قبل أن تصبح متاحة كأدوية “جنيسة” (أدوية مماثلة وبديلة عن الأدوية المبتكرة) بأسعار أقل.
أيضاً، التسهيلات التمويلية والاستثمارية التي تقدمها الحكومة أو القطاع الخاص تؤثر على تسعير الأدوية. زيادة الاستثمارات في قطاع الصناعات الدوائية يمكن أن تؤدي إلى تحسين البنية التحتية وتقليل التكاليف. والتغيرات الاقتصادية العامة مثل التضخم، أسعار صرف العملات، والسياسات النقدية تؤثر على تسعير الأدوية. هذه العوامل قد تؤدي إلى تقلبات في الأسعار حسب الظروف الاقتصادية السائدة.
مستوى التوعية الصحية بين المواطنين يمكن أن يؤثر على الطلب على الأدوية. زيادة الوعي بأهمية الرعاية الصحية الوقائية قد يقلل من الحاجة إلى الأدوية، مما يمكن أن يؤثر على الأسعار.
بتناول هذه العوامل مجتمعة، تقوم القطاعات المعنية بالتعاون مع الشركات العاملة في قطاع الصناعات الدوائية والتقنية الحيوية بالعمل على وضع استراتيجيات تسعير فعالة تضمن توافر الأدوية بأسعار معقولة مع الحفاظ على استدامة القطاع وربحيته.
د. نبيل عبدالحفيظ الحكمي
ريادة الأعمال والاستثمار في مجال التقنية الحيوية والصناعات الدوائية المبتكرة