يعد «التسعير المرجعي الدولي»، (International Reference Pricing, IRP) أحد الأدوات الرئيسية التي تستخدمها الدول لتحديد أسعار الأدوية والمنتجات الصحية من خلال مقارنة أسعارها بأسعار نفس المنتجات في دول أخرى.
تعتمد هذه المنهجية على عدة عوامل تجعلها فريدة لكل دولة، وتشمل تلك العوامل الدول التي يتم الاستناد إليها في المقارنة، وما إذا كان يتم اعتبار الأسعار الأدنى أو المتوسطة، وما إذا كانت المقارنة تتم عند إطلاق المنتج أو خلال مراحل لاحقة من دورة حياته، بالإضافة إلى ما إذا كانت المقارنة تستند إلى الأسعار المدرجة أو الصافية، وما إذا كانت تشمل عبوات المنتج أو تركيزاته المختلفة وغيرها من العوامل.
تتمثل أهمية «التسعير المرجعي الدولي» في تأثيره الكبير على القدرة على استهداف سعر معين أو خفض السعر الحالي في بلد ما، مما يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على أسعار المنتجات في دول أخرى. وفي حالة عدم تحسين الأسعار على المستوى العالمي وإدارة المخاطر بفعالية، فإن ذلك قد يؤدي إلى خسارة كبيرة في الإيرادات.
وعلاوة على ذلك، يتطلب «التسعير المرجعي الدولي» المتابعة المستمرة واتخاذ الإجراءات المناسبة بعد إطلاق المنتج لتحقيق أقصى قدر من الفوائد التجارية طوال دورة حياته.
من بين الدول التي تعتمد على «التسعير المرجعي الدولي»، المملكة العربية السعودية، والتي تتبع نهجاً صارماً في هذا السياق. تستخدم الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودي (SFDA) «التسعير المرجعي الدولي»، لتحديد أسعار المنتجات عند أدنى سعر لتلك المنتجات في أكثر من 15 دولة مقارنة (بالإضافة إلى دولة المنشأ). تتطلب الهيئة أيضاً «شهادة سعر» قانونية للتسجيل ولإجراء مراجعات الأسعار، مثل التجديد وتغيير جهة التسويق.
تتضمن «شهادة السعر» أسعار الدول المرجعية ودولة المنشأ، مما يعزز من شفافية التسعير ويضمن تحقيق التوازن بين الجودة والتكلفة. من بين الدول التي تستند إليها المملكة في تسعير منتجاتها: أستراليا، بلجيكا، فرنسا، اليابان، السويد، والمملكة المتحدة، إلى جانب دول أخرى.
كما تشير الإحصائيات إلى أن السعودية تعتبر مرجعية لتسعير الأدوية في العديد من الدول، مما يعكس أهمية السوق السعودي وتأثيره على الأسواق الأخرى.
للتقليل من التأثيرات السلبية المحتملة «للتسعير المرجعي الدولي»، على الإيرادات، يمكن استخدام «تسلسل الإطلاق» الذي يسمح بإطلاق المنتجات في الأسواق بأسعار مختلفة تدريجياً. بالإضافة إلى ذلك، يمكن الحفاظ على سرية الأسعار في الاتفاقيات مع العملاء للحد من المخاطر المرتبطة بالكشف عن الأسعار المرجعية.
عزيزي القارئ، في هذا السياق، يمكن أن يكون «للتسعير المرجعي الدولي»، للمملكة تأثيرات متعددة على سوق الأدوية المحلي. إذ يساعد في ضبط الأسعار وضمان أن تكون في متناول جميع فئات المجتمع، مما يعزز من قدرة النظام الصحي على تقديم رعاية صحية عالية الجودة بتكاليف معقولة. ومع ذلك، فإن تحديات الالتزام «بالتسعير المرجعي»، قد تضع ضغوطاً على الشركات المصنعة للأدوية لتحقيق توازن بين الحفاظ على جودة المنتج وتغطية التكاليف التشغيلية.
ومن الجدير بالذكر عزيزي القارئ، أن النهج السعودي في «للتسعير المرجعي الدولي»، يتطلب تعاوناً وثيقاً بين الجهات التنظيمية والشركات المصنعة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة. ويمكن أن تسهم الإجراءات المتخذة في هذا السياق في تعزيز الشفافية والعدالة في تسعير الأدوية، مما يعود بالنفع على جميع الأطراف المعنية.
بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية، يعزز «للتسعير المرجعي الدولي»، من قدرة المملكة على الاندماج في السوق العالمية للأدوية، حيث يمكن للممارسات المتبعة في التسعير أن تكون مرجعية للدول الأخرى، مما يعزز من مكانة السعودية كمركز رئيسي للرعاية الصحية في المنطقة.
فيما يتعلق بالصناعات الدوائية والتقنية الحيوية، يفرض «للتسعير المرجعي الدولي»، تحديات وفرصاً للشركات العاملة في هذا المجال. من جهة، يتعين على الشركات المصنعة التأقلم مع الأسعار المرجعية المنخفضة التي تفرضها سياسات التسعير في الدول الأخرى، مما قد يؤثر على هوامش الربح.
ومن جهة أخرى، يمكن لهذه الشركات الاستفادة من هذا النظام من خلال تعزيز كفاءتها وتحسين عمليات الإنتاج والتسويق لتحقيق التوازن بين الجودة والتكلفة.
تقوم السياسات الحكومية بشكل عام بدور محوري وهام في تنظيم عملية «للتسعير المرجعي الدولي»، من خلال وضع لوائح واضحة ومعايير محددة لتحديد الأسعار، يمكن للحكومات ضمان تحقيق التوازن بين مصلحة المستهلكين والشركات المصنعة. كما يمكن للتعاون الدولي في هذا السياق أن يسهم في تحسين شفافية التسعير وتعزيز التنافسية في السوق العالمية.
على الرغم من الفوائد العديدة التي يقدمها «للتسعير المرجعي الدولي»، إلا أن هناك تحديات مستقبلية يجب معالجتها لضمان استدامة هذا النظام. من بين هذه التحديات، الحاجة إلى تطوير أدوات تقنية متقدمة لتحليل البيانات والأسعار بشكل أكثر دقة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين الدول لتبادل المعلومات والخبرات في مجال التسعير المرجعي.
ختاماً عزيزي القارئ، يعتبر «للتسعير المرجعي الدولي»، أداة حيوية لضمان عدالة تسعير الأدوية وتحقيق التوازن بين جودة الرعاية الصحية وتكاليفها. ومن خلال اعتماد استراتيجيات فعالة للتسعير المرجعي، تقوم المملكة بتحسين نظامها الصحي، وتعزيز المنافسة في السوق، وضمان تقديم رعاية صحية عالية الجودة بتكاليف مناسبة لمواطنيها.
د. نبيل عبدالحفيظ الحكمي
ريادة الأعمال والاستثمار في مجال التقنية الحيوية والصناعات الدوائية المبتكرة