قامت المملكة العربية السعودية بخطوات كبيرة لمواجهة التحديات في تقديم رعاية صحية عالية الجودة لجميع سكانها. يأتي ذلك في ظل تزايد الطلب على الخدمات الصحية بسبب النمو السكاني السريع والتغيرات في أنماط الأمراض.
في هذا السياق، تقدم الدراسات الاقتصادية دوراً حاسماً في تمكين النظام الصحي من تحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة. هذه الدراسات تساعد صانعي القرار في تحديد التدخلات الصحية التي توفر أفضل قيمة مقابل التكلفة، ما يؤدي إلى تحسين كفاءة النظام الصحي بشكل عام.
في عام 2023، احتل القطاع الصحي في السعودية المرتبة الثالثة من حيث حجم الإنفاق الحكومي، حيث بلغ إجمالي الإنفاق أكثر من 138 مليار ريال سعودي. هذا يعكس التزام المملكة بتطوير الرعاية الصحية كجزء من رؤية 2030. حيث بلغت نسبة الإنفاق على القطاع الصحي حوالي 21% من إجمالي النفقات الحكومية، مما يوضح أهمية هذا القطاع في السياسة العامة.
حيث تشمل الخطط المستقبلية للقطاع الصحي تنفيذ أكثر من 100 مشروع شراكة مع القطاع الخاص على مدى السنوات المقبلة، مع تقدير حجم الاستثمارات الرأسمالية المتوقعة بحوالي 50 مليار ريال. تأتي هذه الشراكات في إطار استراتيجية التحول الصحي التي تسعى المملكة من خلالها إلى تعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الرعاية الصحية وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
يتوقع الخبراء أن يشهد القطاع الصحي في المملكة نمواً كبيراً في عام هذا العام 2024 والأعوام المقبلة، مدعوماً برؤية حكومية رشيدة وبالاستثمارات الأجنبية والمحلية، والتوسع في استخدام التقنيات الحديثة مثل الرقمنة والذكاء الاصطناعي في تقديم الرعاية الصحية. كما يواصل القطاع الخاص دوره في إنشاء وإدارة المستشفيات بكفاءة عالية، مما يعزز من فرص الخصخصة وتحسين الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.
عزيزي القارئ، تلتزم الهيئة العامة للغذاء والدواء في السعودية بضمان أن المنتجات الدوائية والطبية المقدمة للسوق السعودي تلبي أعلى معايير السلامة والفعالية. كجزء من هذه الالتزامات، تعتمد الهيئة على الدراسات الاقتصادية لتقييم الأدوية الجديدة وتحديد ما إذا كانت تقدم قيمة مضافة مقارنة بالخيارات العلاجية الموجودة بالفعل.
عندما تقوم شركات الأدوية بتقديم طلب لتسجيل دواء جديد في السعودية، يجب عليها تقديم دراسة تقييم اقتصادي تشمل تحليلاً مقارناً للتكلفة والفائدة الصحية. تُعتبر هذه الدراسات جزءاً أساسياً من عملية اتخاذ القرار بشأن ما إذا كان سيتم اعتماد الدواء وتحديد سعره في السوق السعودي. تعتمد هذه الدراسات على تحليل التكلفة والفوائد الصحية للتدخلات المختلفة، مما يساعد في تحديد الخيار الأمثل الذي يحقق أقصى فائدة ممكنة بأقل تكلفة.
تساهم الدراسات الاقتصادية في تقديم تقديرات دقيقة للفعالية النسبية للتدخلات الصحية، مما يسمح لصانعي القرار بمقارنة الخيارات المختلفة واتخاذ قرارات مستنيرة. على سبيل المثال، يمكن مقارنة تكلفة دواء جديد بتكلفة العلاجات المتاحة بالفعل ومدى تأثيره على تحسين الحالة الصحية للمرضى. إذا كانت النتائج تشير إلى أن الدواء الجديد يوفر فائدة أكبر بتكلفة أقل أو مكافئة، يمكن اتخاذ قرار بإدراجه ضمن البروتوكولات العلاجية الوطنية.
تساهم الدراسات الاقتصادية أيضاً في تقليل الهدر في النظام الصحي من خلال توجيه الموارد نحو التدخلات الأكثر فعالية من حيث التكلفة. على سبيل المثال، قد تكتشف دراسة اقتصادية أن بعض العلاجات الشائعة ليست فعالة من حيث التكلفة بالمقارنة مع بدائل أخرى، مما يدفع الجهات الصحية إلى إعادة تخصيص الموارد بشكل يحقق أكبر فائدة صحية للسكان.
كما تقوم الدراسات الاقتصادية بدوراً حاسماً في تحديد أسعار الأدوية الجديدة في السوق. من خلال تحليل التكلفة والفائدة الصحية، يمكن لصانعي القرار تحديد السعر الذي يعكس القيمة الحقيقية للدواء ويضمن الوصول العادل للمرضى دون تحميل النظام الصحي تكاليف غير مبررة. هذا الأمر مهم بشكل خاص في ظل الضغوط المالية التي تواجهها أنظمة الرعاية الصحية، حيث يصبح من الضروري تحقيق التوازن بين توفير العلاجات الحديثة وضبط التكاليف.
في ظل محدودية الموارد المالية، تصبح الدراسات الاقتصادية أداة لا غنى عنها لتحديد الأولويات في تخصيص الميزانيات الصحية. من خلال تقييم الفعالية من حيث التكلفة للتدخلات المختلفة، يمكن للجهات الصحية تحديد المجالات التي تستحق تخصيص المزيد من الموارد لتحقيق أكبر تأثير صحي. على سبيل المثال، قد تقترح دراسة اقتصادية زيادة الإنفاق على الوقاية من الأمراض المزمنة بدلاً من علاجها، نظرًا للفوائد الصحية والمالية الكبيرة التي يمكن تحقيقها على المدى الطويل.
تساعد الدراسات الاقتصادية في تعزيز الشفافية والمساءلة في صنع القرار الصحي من خلال تقديم تحليلات قائمة على الأدلة يمكن مراجعتها والتحقق منها. هذا يسهم في بناء الثقة بين الجمهور والجهات الصحية، حيث يمكن تبرير القرارات المتخذة بناءً على نتائج واضحة ومحددة. كما يسهم هذا النوع من التحليلات في تحسين الشفافية فيما يتعلق بكيفية تخصيص الموارد واتخاذ القرارات المتعلقة بالرعاية الصحية.
تساهم الدراسات الاقتصادية في تجهيز النظام الصحي للتعامل مع التحديات المستقبلية، مثل ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وزيادة الطلب على الخدمات الصحية. من خلال تقديم توقعات حول تأثير التدخلات الصحية الجديدة، يمكن لصانعي القرار اتخاذ إجراءات استباقية لتجنب الأزمات المالية وضمان استدامة النظام الصحي على المدى الطويل.
في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها قطاع الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية، تزداد أهمية الدراسات الاقتصادية كأداة استراتيجية لدعم صنع القرار. من خلال توفير أدلة موثوقة حول الفعالية والتكلفة، تساهم هذه الدراسات في تعزيز جودة الرعاية الصحية وتحقيق الاستدامة المالية للنظام الصحي.
د. نبيل عبدالحفيظ الحكمي
ريادة الأعمال والاستثمار في مجال التقنية الحيوية والصناعات الدوائية المبتكرة