في قطاع «التقنية الحيوية» المتطور شهدت الساحات العالمية «للاكتتابات العامة الأولية» (IPOs) تحولا كبيرا. هذا التغيير واضح بشكل خاص في هذا القطاع.
احتمالية كبيرة أن يكون عام 2024، نقطة تحول محتملة «للاكتتابات العامة الأولية» في قطاع التقنية الحيوية، والتي ستنعش هذا القطاع الأساسي للابتكارات الصحية.
شهد قطاع التقنية الحيوية ازدهارا في «الاكتتابات العامة الأولية» بعد شهر مارس 2020، حيث طرح عالميا أكثر من 100 شركة تقنية حيوية «للاكتتابات العامة الأولية» في هذا العام فقط، حيث تم جمع أكثر من 20 مليار دولار أمريكي.
ومع ذلك، انعكس هذا الاتجاه المتصاعد بشكل حاد بعد رفع معدلات الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لمكافحة التضخم.
بحلول عام 2022، قل عدد «الاكتتابات العامة الأولية» والدعم من صناديق رأس المال الجريء بشكل ملحوظ، مما عكس وضع حساسية السوق للمتغيرات الاقتصادية الواسعة.
من الملفت للنظر أن خارطة تقييم «الاكتتابات العامة الأولية» تغيرت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة.
حيث شهد العام الماضي 2023، انخفاض متوسط حجم «الاكتتاب العام الأولي الواحد» إلى حوالي 75 مليون دولار بالمقارنة بأكثر من 100 مليون دولار في السنوات السابقة.
حيث تم تداول أكثر من 60% من اكتتابات شركات التقنية الحيوية في عام 2022 أدنى من سعر العرض الأولي، مما يعكس الحذر المتزايد في السوق.
لقد أثرت سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي النقدية، وخاصة رفع «معدلات الفائدة»، بشكل عميق على حركة «الاكتتابات العامة الأولية» في مجال التقنية الحيوية.
هذه الزيادات، التي تعتبر حيوية للاستقرار الاقتصادي الأمريكي والعالمي، أثرت على شهية المستثمرين بشكل سلبي في الاستثمار في مجال التقنية الحيوية، مما جعل الاستثمارات المتوسطة وعالية المخاطر في هذا المجال أقل جاذبية، وهذا أسهم في انخفاض «أنشطة الاكتتاب» بشكل عام.
ولكن بحلول نهاية عام 2023، كان هناك ارتداد إيجابي في الأسواق بشكل عام، ولكنه لا يزال دون مستويات فترة ما بعد جائحة كورونا COVID-19.
في هذه البيئة الاقتصادية المتغيرة، ظهرت عدة اتجاهات مختلفة حيث يفضل المستثمرون الآن الشركات التي تمتلك أدوية ومنتجات مبتكرة أقل خطورة أو تلك التي تقترب من مراحل الاعتماد النهائية من الجهات المتخصصة مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكي (US. FDA).
أصبحت عمليات «الدمج والاستحواذ» (M&A) بديلا متزايد الأهمية عن «الاكتتابات العامة الأولية» للشركات الناشئة التي تسعى للحصول على الدعم المالي والوصول إلى الأسواق المحلية والعالمية.
بالنظر إلى عام 2024، يبدو أن سوق «الاكتتابات العامة الأولية» في مجال التقنية الحيوية يظهر علامات على التفاؤل الحذر.
مع تكيف السوق مع أسعار الفائدة الجديدة وسلوك المستثمر الانتقائي، قد تشهد «الاكتتابات العامة الأولية» انتعاشا، ولكن بوتيرة أكثر اعتدالا من الماضي.
ستعتمد نجاحات هذه الاكتتابات على إظهار تقدم واضح للشركات الناشئة وإمكانية أكبر لوصول منتجاتها المبتكرة للأسواق في وقت أسرع، وذلك تماشيا مع تفضيلات المستثمرين بعد الجائحة.
عزيزي القارئ، قطاع التقنية الحيوية من القطاعات الواعدة عالميا ووطنيا، حيث أظهرت المملكة العربية السعودية اهتماما شديد بهذا القطاع، وأكبر حافز على هذا الاهتمام ألا وهو إطلاق سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله «الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية».
حيث تستثمر المملكة استراتيجيا في قطاع التقنية الحيوية لتنويع اقتصادها بعيدا عن النفط، وفقا لرؤية 2030.
حيث تقوم المملكة، من خلال صناديق ثروتها السيادية الكبيرة مثل صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، بالاستثمار الاستراتيجي في شركات التقنية الحيوية الواعدة، مع التركيز على المشاريع متوسطة ومنخفضة المخاطر، ولكن ذات الإمكانات العالية.
هذا النهج يتماشى مع التحول العالمي في تفضيلات المستثمرين بعد الجائحة.
تعمل المملكة أيضا على تطوير «حدائق علمية وتقنية» على أحدث طراز لتعزيز الابتكار وجذب الشركات العالمية في مجال التقنية الحيوية.
لا تقتصر استثمارات المملكة على الجانب المالي فحسب، بل تعمل أيضا على بناء نظام بيئي شامل للتقنية الحيوية يشمل البحث، والتطوير، والتصنيع، والتسويق.
تهدف هذه الاستراتيجية الشاملة إلى تحويل المملكة العربية السعودية إلى مركز عالمي للتقنية الحيوية والابتكار في مجال الرعاية الصحية بحلول عام 2040.
في الختام، قد تؤدي الاستراتيجيات المتعددة الأبعاد للمملكة في مجال نقل «التقنية العميقة» ومنها «التقنية الحيوية» من خلال الاستثمار في أسواق «الاكتتابات العامة الأولية» العالمية إلى عائدات اقتصادية كبيرة وترسيخ مكانة المملكة كمبتكر عالمي في مجال التقنية الحيوية.
نقلا عن جريدة مكة السعودية