سوق الدواء
كل ما تريد معرفته عن سوق الدواء

‎الدكتور شريف كمال يكتب.. الصيدلة الإكلينيكية في ممارسات الرعاية الأولية

الرعاية الأولية هي الركيزة الأساسية في نظم الرعاية الصحية، حيث تركز على توفير الرعاية الشاملة والوقائية للأفراد وتشمل هذه الرعاية الوقاية من الأمراض، وإدارة الحالات المزمنة، وتقديم الرعاية الأساسية، ويهدف النهج الرئيسي في الرعاية الأولية إلى تعزيز الصحة وتحسين جودة الحياة.

وبالضرورة فان الصيدلي كخبير في الدواء يجب أن يطور دوره أيضا ليلعب دورًا يتمحور أكثر حوّل المريض وبذلك فان تفعيل دور الصيدلة الإكلينيكية في الرعاية الأولية أصبح ضرورة.

ويبدأ دور الصيدلي في التعرف علي الإحتياجات الدوائية للمريض والتقليل أو منع أو معالجه عدد المشكلات المتعلقة بالأدوية واستخدام الخدمات الصحية الحادة، وذلك من خلال تقييم تاريخ الدواء، حيث يستعرض الصيدلي تاريخ الأدوية التي استخدمها المريض سابقًا، ويتحقق من التفاعلات المحتملة أو المشاكل المتعلقة بالأدوية السابقة، ويفحص الصيدلي الحالة الصحية للمريض، بما في ذلك الحالات المزمنة والأمراض المصاحبة، لفهم الإحتياجات الدوائية الخاصة.

ويأتي بعد ذلك دور الصيدلي في التعرف علي ومنع وعلاج المشاكل المتعلقة بالأدوية وهي المواقف التي يواجه فيها المرضى صعوبات تتعلق بالعلاج الدوائي، ويمكن أن تحدث أنواع مختلفة من المشاكل المتعلقة بالأدوية، ومعالجتها أمر بالغ الأهمية لتحسين نتائج المرضى، وبعض الأنواع الشائعة للمشاكل المتعلقة بالأدوية تشمل:

1- التفاعلات الدوائية الضارة، وهي تفاعلات غير مقصودة وضارة للأدوية، والتي يمكن أن تحدث عند الجرعات العادية، وقد تتراوح التفاعلات الدوائية الضارة  من آثار جانبية خفيفة إلى تفاعلات شديدة تتطلب عناية طبية فورية، وتساهم التفاعلات الدوائية الضارة في أكثر من 1.3 مليون زيارة لقسم الطوارئ كل عام.

والذي يقدر أنه يكلف نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة أكثر من 30 مليار دولار سنويًا، وتمثل التفاعلات الدوائية 3-5% من جميع حالات دخول المستشفيات في الولايات المتحدة.

2- عدم الالتزام المريض بالأدوية، وعدم تناول المرضى للأدوية كما هو موصوف لهم، إما عن طريق تخطي الجرعات، أو تناول جرعات غير صحيحة، أو التوقف عن العلاج قبل الأوان، وعدم الالتزام يمكن أن يؤدي إلى نتائج علاجية دون المستوى الأمثل.

وتشير التقديرات إلى أن التكاليف السنوية المرتبطة بعدم الالتزام بالأدوية تتجاوز 100 مليار دولار في الولايات المتحدة وحدها، ويساهم عدم الالتزام في 33-69% من حالات دخول المستشفى المرتبطة بالأدوية.

3- الإفراط في تناول الأدوية، إما بسبب استخدام جرعات أعلى من الموصوفة أو الاستخدام المتزامن لأدوية متعددة لها تأثيرات مماثلة، مما يزيد من خطر الآثار الضارة، مما يؤدي إلى آثار ضارة وزيادة تكاليف الرعاية الصحية.

حيث يؤدي الإفراط في تناول الأدوية إلى نفقات إضافية تتعلق بإدارة المضاعفات والآثار الجانبية، مما يساهم في عبء اقتصادي سنوي يبلغ حوالي 60 مليار دولار، حيث يتم وصف أدوية قد تكون غير مناسبة لأكثر من 30% من كبار السن.

4- نقص الدواء والاستخدام غير الكافي للأدوية، إما بسبب عدم كفاية الجرعات أو الجرعات المنسية، مما قد يؤدي إلى عدم كفاية السيطرة على الحالة الطبية حيث يساهم نقص العلاج في دخول المستشفى بشكل يمكن الوقاية منه لدى 23-45% من المرضى المسنين.

5- اختيار الدواء غير المناسب، ويشمل اختيار الدواء الذي لا يناسب حالة المريض أو لايتوافق مع المبادئ التوجيهية القائمة على الأدلة العلمية

6- الازدواجية العلاجية، ووصف أو صرف أدوية من نفس الفئة العلاجية دون مبرر واضح.، ويمكن أن يؤدي هذا التكرار إلى تكاليف غير ضرورية وآثار سلبية محتملة،.

ويقدر التأثير الاقتصادي السنوي لاختيار الأدوية غير المناسبة بنحو 200 مليار دولار، ومثال علي ذلك ما يصل إلى 50% من المضادات الحيوية الموصوفة في العيادات الخارجية غير ضرورية.

ولذلك يعد تحديد وحل الإزدواجية العلاجية أمرًا ضروريًا للحصول على رعاية فعالة من حيث التكلفة، مما قد يوفر المليارات سنويًا، حيث تحدث بسبب ذلك  المضاعفات العلاجية في حوالي 10-20٪ من المرضى.

7- الأخطاء في وصف أو صرف الأدوية، أو إعطاء الأدوية التي تؤدي إلى جرعات غير صحيحة، وهذا يمكن أن يؤدي إما إلى جرعة زائدة أو ناقصة ويشكل مخاطر كبيرة على سلامة المرضى، ويشمل التأثير المالي التكاليف المرتبطة بإدارة الأحداث السلبية، والدعاوى القضائية المحتملة، وتنفيذ بروتوكولات السلامة، مما يساهم في تكلفة سنوية تزيد عن 40 مليار دولار، تؤثر الأخطاء الدوائية على ما يقدر بنحو 1.5 مليون مريض سنويًا.

8- الحساسية الدوائية، وتشمل ردود الفعل على الأدوية بسبب استجابة المريض التحسسية، ويعد تحديد وتجنب الأدوية التي يعاني المريض من حساسية تجاهها أمرًا بالغ الأهمية لمنع تفاعلات الحساسية الشديدة، وتشمل الآثار المالية التكاليف المرتبطة بالتدخلات الطارئة، والاستشفاء، والعلاجات الإضافية، والتي تقدر بالمليارات سنويا، وتساهم الحساسية الدوائية في حوالي 5-10% من جميع التفاعلات الدوائية الضارة.

9- نقص فعالية الدواء و هي الحالات التي تفشل فيها الأدوية الموصوفة في تحقيق التأثير العلاجي المطلوب، وغالبًا ما تتطلب إعادة تقييم خطة العلاج، ويساهم ذلك في تكاليف رعاية صحية إضافية تقدر بأكثر من 50 مليار دولار سنويًا، وتعتبر فعالية الدواء غير الكافية عاملاً في حوالي 30-50٪ من حالات فشل العلاج.

ويتطلب التعرف على هذه المشاكل المتعلقة بالأدوية ومعالجتها التعاون بين المتخصصين في الرعاية الصحية، بما في ذلك الصيادلة والأطباء والتمريض، وتعد الإدارة الشاملة للأدوية والمراقبة المستمرة من المكونات الأساسية لتقليل تأثير هذه المشكلات على صحة المريض، ولذلك عندما يقدم الصيدلي الإكلينيكيّ خدمات إدارة الدواء في ممارسة الرعاية الأولية فان تكاليف الرعاية الصحية السنوية لكل مريض سوف تنخفض، ويمكن أن يكون عائد الاستثمار من دمج خدمات الصيدلة في الرعاية الأولية كبيرًا، حيث يقدم فوائد مالية وإكلينيكية.

وفيما يلي العوامل الرئيسية التي تساهم في عائد الاستثمار من تكامل الصيدلية:

‎1- تحسين الالتزام بالأدوية

حيث تعمل خدمات الصيدلة على تعزيز تثقيف المرضى ومشاركتهم، مما يؤدي إلى تحسين الالتزام بالأدوية الموصوفة، ويؤدي الالتزام العالي إلى تقليل خطر تطور المرض والمضاعفات ذات الصلة، مما قد يؤدي إلى خفض تكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بالاستشفاء والرعاية في حالات الطوارئ.

‎2- إدارة الأمراض المزمنة

يمكن أن تؤدي مشاركة الصيدلي في إدارة الأمراض المزمنة، مثل مرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم، إلى نتائج أفضل وتقليل نفقات الرعاية الصحية، حيث تساعد الإدارة الاستباقية للحالات المزمنة على منع التفاقم الحاد، مما يخفض التكلفة الإجمالية للرعاية.

‎3- الرعاية الوقائية والتطعيمات

يمكن للصيادلة في أماكن الرعاية الأولية المساهمة في جهود الرعاية الوقائية، بما في ذلك التطعيمات والفحوصات، ومن خلال منع بعض الأمراض، تساهم خدمات الصيدلة في توفير التكاليف المرتبطة بمعالجة وإدارة الأمراض التي يمكن الوقاية منها.

‎4- إدارة العلاج الدوائي

يمكن لخدمات العلاج الدوائي التي يقدمها الصيادلة تحديد المشكلات المتعلقة بالأدوية وحلها، مما يمنع الأحداث السلبية والاستشفاء، و يؤدي تجنب المضاعفات إلى توفير التكاليف المرتبطة بتدخلات الطوارئ ورعاية المرضى بالأقسام الداخلية.

‎5- تقليل زيارات قسم الطوارئ

يمكن أن يؤدي تحسين إدارة الأدوية وتثقيف المرضى من قبل الصيادلة إلى انخفاض زيارات قسم الطوارئ المتعلقة بالأدوية، ويؤدي ذلك الي انخفاض زيارات الطوارئ وتوفير التكاليف واستخدام أكثر كفاءة لموارد الرعاية الصحية.

‎6- الرعاية التعاونية القائمة على الفريق

يعمل تكامل الصيدلة على تعزيز الرعاية التعاونية القائمة على الفريق، مما يؤدي إلى تحسين استخدام خبرات كل متخصص في الرعاية الصحية، ويؤدي التنسيق الفعال للرعاية إلى تقليل الخدمات الزائدة عن الحاجة والاختبارات غير الضرورية، مما يساهم في احتواء التكلفة الإجمالية.

‎7- نموذج الرعاية المزمنة الفعّال

تتوافق خدمات الصيدلة مع نموذج الرعاية المزمنة، مع التركيز على الرعاية الاستباقية والمخططة للحالات المزمنة.، ويؤكد النموذج على الإدارة الذاتية للمريض، مما يقلل من الحاجة إلى التدخلات التفاعلية والمكلفة.

‎8- إدارة صحة السكان

تساهم مشاركة الصيدلة في استراتيجيات صحة السكان، ومعالجة المشكلات المتعلقة بالأدوية عبر مجموعة أوسع من المرضى. ويمكن أن تؤدي إدارة صحة السكان بشكل استباقي إلى توفير التكاليف على المدى الطويل من خلال الوقاية والتدخل المبكر.

‎9- رضا المرضى والاحتفاظ بهم

من المرجح أن يتابع المرضى الراضون والمشاركون خطط الرعاية الموصى بها، مما يؤدي إلى نتائج صحية أفضل وتقليل تكاليف الرعاية الصحية على المدى الطويل، مما يؤدي الي زياده ثقه المواطن في النظام الصحي والولاء للوطن.

في الختام

يمكن أن يؤدي دمج خدمات الصيدلة في إعدادات الرعاية الأولية إلى عائد استثمار إيجابي من خلال تحسين إدارة الدواء، ومنع المضاعفات، وتعزيز الرعاية الفعالة التي تركز على المريض، وتؤكد الفوائد المالية، جنبًا إلى جنب مع النتائج المحسنة للمرضى، على قيمة النهج التعاوني متعدد التخصصات لتقديم الرعاية الصحية

ويبقي هنا إجراء مهم للاستدامة وهو أن يصبح تكاليف إعمال الصيدلة الاكلينيكية مغطاه تحت غطاء التامين ويتم إضافه أجر الخدمة الصيدلية كقيمه مضافة علي فاتورة ومطالبات المريض ومن ثم يصبح الصيدلي كعضو في الفريق الصحي مسئول ويحاسب عن مخرجات العلاج ومدي كفاءه ومأمونية الدواء.

كما يجب عمل برنامج تطوير الأداء مبني على أساس الجدارة وذلك سوف يعطي فرصة للصيادلة لتحسين وتوثيق تحقيق الرعاية الجيدة وتخفيف العبء على الأطباء.

بالإضافة إلى ذلك، من الضروري ان تتاح الخدمات الصحية عن بُعد للصيادلة وبذلك يتم رؤية المرضى عبر مواقع الممارسة وتوفر لممارسات الرعاية الأولية قيمه مضافه مستدامة.

وأخيراً.. يجب التأكيد  علي أن موائمة الحوافز مع أنشطة الصيدلة الإكلينيكية يؤدي إلى تعظيم النتائج وتطوير الأداء و في النهاية الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وتعزيز النظام الصحي.

الدكتور شريف كمال

مستشار رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية للشؤون الصيدلية وإدارة الدواء

 

اترك تعليق